[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]
كيف تحاسب نفسك ...؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أمر بمحاسبة النفوس، وجعل عملها للصالحات
خيرا من الجلوس، وغناها بالطاعة زوا ً لا للبؤوس، وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له الذي رفع بالمحاسبة الرءوس، وط هر ا
الأموال من اُلمكُوس، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، طبيب
النفوس، أَمر بمحاسبة النفس قبل اليوم العبوس، صلى الله عليه وسلم
كلما حوسبت النفس وُأزيل الرجس، وعلى آله وصحبه ومن سا ر
على جه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإنه يجب على المسلم الذي رضي بالله ربا وبالإسلام دينا
رسو ً لا، أن يتقي الله الذي عرض الأمانة على السموات وبمحمد
والأرض والجبال فأبت أن تحملها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما
جهو ً لا؛ ليعذِّب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات،
ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما.
* * * *
كيف تحاسب نفسك ...؟
حين تضي ع المحاسبة
إن من أعظم الأمانات أمانة النفس؛ فهي أعظم من أمانات
الأولاد، وأعظم من أمانات الأموال، أقسم الله ا في كتابه، ولا
.[ الشمس: 7 ] ونفْسٍ وما س واها : يقسم الله إلا بعظيم. قال تعالى
وقد جعل الله لهذه النفس طريقين: طريق تقوى، وبه تفوز
فَأَلْهمها : وتفلح، وطريق فجور، وبه تخسر وتخيب، قال تعالى
ُف جورها وتقْواها * قَد أَفْلَح من زكَّاها * وقَد خاب من د ساها
.[10- [الشمس: 8
والناظر في حال الناس اليوم يرى رخص النفوس عند أهلها،
ويرى الخسارة في حياا؛ لعدم محاسبتها، حتى أصبحت حيام تمر
ويوم تُقوم ال ساعُة يقْسِ م : وما كأا إلا ساعة؛ يقول تعالى
فَاصبِر : الروم: 55 ]، ويقول تعالى ] الْ مجرِمونَ ما لَبُِثوا غَير ساعة
كَما صبر ُأوُلو الْعزمِ من ال ر سلِ وَلا تستعجِلْ َل هم كَأَن هم يوم يرونَ ما
يوع دونَ لَم يلْبُثوا إِلَّا ساعةً من نهارٍ بلَاغٌ فَهلْ يهلَ ك إِلَّا الْقَوم
الأحقاف: 35 ]، وتمر، وما كأا إلا يوما أو بع ض يوم. ] الْفَاسُقونَ
قَالَ كَم لَبِثْتم في الْأَرضِ عدد سنِين * قَاُلوا لَبِثْنا يوما : يقول تعالى
المؤمنون]. والذين فقدوا محاسبة ] َأو بعض يومٍ فَاسأَلِ الْعا دين
َأنْ : نفوسهم يتحسرون في وقت لا ينفع فيه التح سر؛ يقول تعالى
تُقولَ نفْس يا حسرتا علَى ما فَ رطْ ت في جنبِ اللَّه وإِنْ ُ كن ت لَمن
الزمر: 56 ]، ويتمنون الرجوع إلى الدنيا؛ ليعلموا عم ً لا ] ال ساخرِين
وَلو ترى ِإذ الْ مجرِمونَ ناك سو ا : صالحًا، فلا يمكَّنون. يقول تعالى
كيف تحاسب نفسك ...؟
رءُوسهِم عند ربهِم ربنا أَبصرنا وسمعنا فَارجِعنا نعملْ صالحا إِنا
السجدة: 12 ]، ويقْدمون على رم كعبد أَبق عن سيده ] موقنونَ
ثم ُأعيد إليه يستقبله بالقيود والسلاسل والسجن والضرب والنكال،
ويكرهون لقاء الله، ومن كَِره لقاء الله َ كره الله لقاءه، ويكرهون
الموت؛ لأم عمروا الدنيا وأخربوا الآخرة؛ فهم يكرهون الانتقال
من العمران إلى الخراب.
ودعام إلى الضياع والخسارة هم عباد الدنيا الذين جعلوا
دنياهم لهوا ولعبًا وزينة وتفاخرا وتكاثرا من الأموال والأولاد،
من كَانَ يرِي د حرثَ الْآَخرة نزِد َله : وجعلوها إفلاسا. يقول تعالى
في حرثه ومن كَانَ يرِي د حرثَ ال دنيا نؤته منها وما لَه في الْآَخرة من
الشورى: 20 ]، وجعلوها متاعا زائ ً لا لا يسمن ولا يغني ] نصيبٍ
ِإنما هذه الْحياُة ال دنيا متاع وِإنَّ الْآَخرةَ : من جوع. يقول تعالى
.[ غافر: 39 ] هي دا ر الْقَرارِ
وبترك محاسبة النفس تسلَّ َ ط الشيطان الذي دعا إلى المعصية،
وحذَّر من الطاعة، وزين الباطل، وثبط عن العمل الصالح، وص د
عنه وأفسده، وأشغل بما لا نفع فيه.
وبترك محاسبة النفس تمكنت الغفلة من الناس؛ فأصبح لهم قلوب
لا يفقهون ا، ولهم أعين لا يبصرون ا، ولهم آذان لا يسمعون
ا، أولئك كالأنعام بل هم أضل، أولئك هم الغافلون. يقول تعالى:
وَلقَد ذَرأْنا لجهنم كَثيرا من الْجِ ن والْإِنسِ َل هم ُقُلوب َلا يفْقَ هونَ ِبها
وَل هم َأعين َلا يبص رونَ ِبها وَل هم آَذَانٌ َلا يسمعونَ ِبها ُأوَلئك كَالْأَنعامِ
.[ الأعراف: 179 ] بلْ هم أَضلُّ ُأولَئك ه م الْغافُلونَ
كيف تحاسب نفسك ...؟
وليعلم المسلم أنه لن يسلم من هذه الخسارة والضياع إلا من
اتصف بأربع صفات:
* صفات الإيمان التي يحصل ا الأمن في الدنيا والآخرة.
* صفة العمل الصالح التي يحصل ا الصلاح في الدنيا والآخرة.
* صفة التواصي بالحق التي تحصل ا النصيحة الواجبة، ويحصل
ا حب الخير للغير.
* صفة التواصي بالصبر: فإنه لا ثمرة لأي عمل إلا بالصبر، وهو
والْعصرِ * ِإنَّ : من الدين بمنزلة الرأس من الجسد. يقول تعالى
الْإِنسانَ َلفي خسرٍ * ِإلَّا الَّذين آَمنوا وعمُلوا ال صالحات وتواصوا
3]. قال الإمام الشافعي: لو لم - العصر: 1 ] ِبالْح ق وتواصوا ِبال صبرِ
ينزِل الله على خلقه ح جة إلا هذه السورة لكفتهم.
* * * *
كيف تحاسب نفسك ...؟
كيف تحاسب نفسك؟!
وحتى نتصف ذه الصفات ونحظى ذه الكرامات فإنه لاب د من
َلا تبديلَ لخلْقِ ، محاسبة النفس؛ لتعود إلى فطرا التي فطرها الله عليها
،[ الروم: 30 ] اللَّه ذَلك ال دي ن الْقَي م ولَك ن أَكْثَر الناسِ لَا يعلَ مونَ
ولتقوم بحق را فتعبده ولا تشرِك به شيئًا، وتحفظ دنياها وأُخراها.
يا َأيها : ولأهمية محاسبة النفس أَمر الله تعالى ا في كتابه فقال
الَّذين آَمنوا اتُقوا اللَّه ولْتن ُ ظر نفْس ما قَ دمت لغد واتُقوا اللَّه إِنَّ اللَّه
خبِير ِبما تعمُلونَ * ولَا ت ُ كونوا كَالَّذين ن سوا اللَّه فَأَنساهم أَنُفسهم
ُأولَئك ه م الْفَاسُقونَ * َلا يستوِي َأصحا ب النارِ وَأصحا ب الْجنة
20 ]، ووع د الله بالجنة - الحشر: 18 ] َأصحا ب الْجنة ه م الْفَائ زونَ
وأَما من خاف مقَام ربه ونهى : لمَن حاسب نفسه، يقول تعالى
،[41 ، النازعات: 40 ] النفْس عنِ الْهوى * فَإِنَّ الْجنةَ هي الْمأْوى
.« حفَّت الجنة بالمَكَارِه » : ويقول
والنفوس ثلاثة أقسام:
-1 نفس مليئة بالخير مستجيبة لله مراقبة له تشبه الملائكة،
تسعى لغذاء الروح، همُّها الآخرة، كأنما تراها رأي العين، دائمة
المحاسبة، لا تكل، ولا تمل، اشتغالها بإرضاء را وكثرة ذكره
وشكره، وهذه النفس هي التي رضيت بالله ربا وبمحمد رسو ً لا
وبالإسلام دينا، وهي النفس التي استعدت للقاء الله تعالى، حتى لو
قيل بأن القيامة يوم غد- ما وجد ت للعمل الصالح مزيدا، وهي
0 كيف تحاسب نفسك ...؟
النفس التي أحبت لقاء الله فأح ب الله لقاءها، وتسمى هذه النفس
يا أَيتها النفْ س الْ مطْمئنُة * ارجِعي : يقول تعالى ، النفْ س الْ مطْمئنُة
إِلَى ربك راضيةً مرضيةً * فَاد خلي في عبادي * واد خلي جنتي
َأَلا ِبذكْرِ اللَّه تطْمئ ن الُْقُلو ب : 30 ]، ويقول تعالى - [الفجر: 27
[الرعد: 28 ]، وقد ورد في سيرة ابن عباس أم لمَّا دفنوه سمعوا قارئًا
الآيات. ... يا أَيتها النفْ س الْ مطْمئنُة : يقرأ
-2 والنفس الثانية: نفس لا تثبت على حال واحدة فهي
كثيرة التقلُّب والتلون، فتذْ ُ كر وتغفَل، وتقْبل وتعرِض، وتح ب
وتبغض، وتفْرح وتحزن، وترضى وتغضب، تلوم صاحبها على ترك
الطاعات وعلى فعل السيئات، وهذه النفس بين نوازع الخير
ونوازع الشر، وبين جاذبيتي العقل والشهوة، وتسمى هذه النفس
لَا ُأقْسِ م بِيومِ : (النفس اللوامة)، وقد أقسم الله تعالى ا فقال
.[2 ، القيامة: 1 ] الْقيامة * ولَا ُأقْسِ م بِالنفْسِ اللَّوامة
-3 والنفس الثالثة: نفس مليئة بالشر مطاوعة للشيطان،
عاصية للرحمن، بعيدة عن التقوى، قريبة من الهوى، ركوا إلى
الدنيا، تميل إلى الطبيعة الدنية، وتجذب القلب إلى الجهة السفلية،
وتسمى هذه النفس (النفس الأمارة بالسوء)، يقول الله تعالى عن
وما ُأب ر ئ نفْسِي إِنَّ : هذه النفس وهو يحكي قصة امرأة العزيز
يتع وذ من هذه يوسف: 53 ]. وقد كان ] النفْس لَأَمارةٌ بِال سوءِ
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه » : النفس؛ إذ يقول في خطبة الحاجة
أعوذ بك » : ويقول ،« ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
.« من شر نفسي
كيف تحاسب نفسك ...؟
ومحاسبة النفس أمر مطلوب؛ لأنه قيام بأمر الله تعالى، وازدياد
من الحسنات، ومسابقة إلى الخيرات، ومنع للنفس من الأهواء
والشهوات، وترك للسيئات، واقتداء بالأنبياء عليهم السلام؛ فمما
أربع ساعات لا ينبغي لعاقل أن يغفل » : ورد في صحف إبراهيم
عنهن: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يتفكر في خلق السموات
.« والأرض، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة لنفسه وأهله
كان يقَسم وقته إلى أربعة أقسام: » * وروي أن داود
ساعة يعبد فيها ربه، وساعة يحكم فيه ا ويقضي بين الناس، وساعة
وصاحب هذا .« يدعو فيها إلى الخير، وساعة لمطعمه ومشربه وأهله
التقسيم وهذا الحرص على الخير والسبق إلى النجاة كان يصوم يوما
ويف طر يوما، وكان يقوم ثلث الليل، وينام نصفه.
يتفقَّد الخيل ويعدها للجهاد في سبيل الله * وكان سليمان
تعالى، فأشغلته عن ذكْر الله فقام بذبحها وتقطيع سيقاا، وقسم
لحمها بين الفقراء والمساكين قربة إلى الله تعالى وتأديبا لنفسه،
فعوضه الله ذه المحاسبة مكان الخيل الريح تقطع في ُ غد وة أو رو حة
ول سلَيمانَ ال ريح : ما كانت تقطعه الخيل في شهر. قال تعالى
.[ سبأ: 12 ] ُ غ د وها شهر وروا حها شهر
فقلبه سليم، ؛ ومن أكثر الخلق محاسبة لنفسه رسول الله
ولسانه ذاكر، وبصره محفوظ، وسمعه مليء بالخير، ويده منفقة،
ورجله إلى الخيرات تمضي، ونفعه ع م البر والبحر، وصلاته في
الجماعة دائمة، وقيامه للَّيل دائم؛ حتى أنه إذا نام أو كسل في الليل
صلَّى من النهار ثنتي عشرة ركعة.
2 كيف تحاسب نفسك ...؟
وكان يواظب في اليوم والليلة على أربعين ركعة، سبع عشرة
فرائض، وإحدى عشرة قيامه الليل، وثنتي عشرة الرواتب.
يأخذ ومحاسبة النفس هو هدي الصالحين؛ فها هو أبو بكر
بلسان نفسه ويقول: يا ليتني كنت شجرة تعضد.
وها هو عمرو بن العاص يقول عند وفاته: لقد كنت في
الجاهلية أحرص على قتل رسول الله؛ فلو حدث لدخل ت النار، ثم
أسلمت وبسطت يدي أبايعه فاشترطت، فقال: إن الإسلام يجب ما
قبله...
وها هو حنظلة الأسيدي يقول لأبي بكر: نافقت. قال أبو بكر:
الحديث. ... وأنا كذلك، ويذهبان إلى النبي
وها هو إبراهيم يقول: مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها
وأشرب من أارها وُأعانق حورها، ثم مثلت نفسي في النار آكل
من زقُومها وأشرب من حميمها وغَساقها وأعالج سلاسلها ثم قلت:
يا نفس ماذا تريدين؟ قالت: أريد العودة إلى الدنيا لأعمل صالحًا.
فقلت لها: أنت لا تزالين في الدنيا فاعملي عم ً لا صالحًا.
وليعلم المسلم أن محاسبة النفس نوعان:
* نوع قبل العمل: وهو أن ينظر العبد في هذا العمل هل هو
مقدور عليه فيعمله، مثل الصيام والقيام، أو غير مقدور عليه فيتركه
ثم ينظر هل في فعله خير في الدنيا والآخرة فيعمله، أو في عمله شر
في الدنيا والآخرة فيتركه، ثم ينظر هل هذا العمل لله تعالى أم للبشر
والدنيا؛ فإن كان لله فَعله وإن كان لغيره تركه.
كيف تحاسب نفسك ...؟ 3
* والنوع الثاني محاسبة النفس بعد العمل: وهو ثلاثة أنواع:
-النوع الأول: محاسبة النفس على طاعات قصرت فيها،
كتركها للإخلاص أو للمتابعة، أو ترك العمل المطلوب كترك الذكر
اليومي أو بعضه، أو ترك قراءة القرآن، أو ترك الدعوة أو ترك
الصلاة جماعة، أو عدم أداء الصلاة على الوجه المطلوب، أو ترك
الرواتب.
ومحاسبة النفس في هذا النوع أن يكمل النقص ويصلح الخطأ،
ويسارع في الخيرات، ويترك النواهي ويتوب منها ويستغفر الله،
ويدوام على الذكر، ويراقب الله تعالى، ويحاسب قلبه فيما أضمره،
ويعمل على سلامته، ويحاسب اللسان فيما قاله، ويشغله بالخير أو
الصمت، ويتذكر أن السلف كانوا يعدون كلامهم في الأسبوع،
ويحاسب العين فيما نظرت، فيطلقها في الحلال ويغضها عن الحرام،
ويحاسب الأُُذن ما الذي سمعته، فيكْثر من سماعها للخير ويمنعها من
الشر، وهكذا جميع الجوارح؛ فإا إما أن تحافظ على رأس المال
وهو الفرائض، وتزيد الأرباح وهي النوافل، وإما أن تعمل على
خسارة الأرباح ورأس المال.
والنوع الثاني من المحاسبة بعد العمل: أن يحاسب نفسه على
كل عمل كان تر ُ كه خيرا له من فعله؛ لأنه أطاع فيه الهوى
: والنفس، وهو نافذة على المعاصي؛ ولأنه من المتشابه. يقول
إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات ؛ فمن »
اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات
.« د ع ما يريبك إلى ما لا يريبك » : ويقول ،« وقع في الحرام
4 كيف تحاسب نفسك ...؟
والنوع الثالث: أن يحاسب نفسه على أمر مباح أو معتاد لم
يفعله، وهل أراد به الله والدار الآخرة، قال عمر بن الخطاب:
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن،
وتأهبوا ليوم العرض يوم تعرضون لا تخفى منكم خافية.
واعلموا أن أركان المحاسبة ثلاثة:
* الركن الأول: أن تقايض بين نعمة الله عليك وبين جنايتك؛
فنعمه لا تعد ولا تحصى؛ خلَقَك فَسواك، وعدلَك، ورزقَك في
بطن أمك وبعد خروجك، وأسبغ عليك النِعم، وأمدك بالصحة
والعافية، وس خر لك ما في السموات وما في الأرض، وأغناك عما
سواه، فاعترف بنعمته، واعترف بذنبك، ولذا كان سيد الاستغفار
أَبوء لك بنعمتك » : من أَجلِّ الاستغفار؛ لأنه جم ع بينهما في قوله
ولا ،« عل ي، وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت
يوجد هذا الركن إلا عند من رزَقه الله نورا في قلبه؛ يعرف الحق
فيتبعه، ويعرف الباطل فيجتنبه، ولا يكون إلا عند من أساء الظن
بنفسه ليسلم من التزكية ومن العجب والخيلاء، ولا يكون إلا ممن
ميز بين النعمة والنقمة؛ فمن عب د الله بنعمته فهي نعمة، ومن عصى
الله بنعمته فهي استدراج.
* والركن الثاني: هو أن تميز بين حق الله عليك وبين ما أباحه
لك؛ فإنَّ حقَّه عليك التزام العبودية وترك المعصية، وحقك ما أباح
أتدري ما حق الله على » : لك من الشرع. وفي حديث معاذ
.« العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًَا
كيف تحاسب نفسك ...؟ 5
* والركن الثالث: أن يكون حريصا على قبول العمل؛ فيكْثر
من الدعاء والاستغفار والتوبة، ويكون وجِِ ً لا خائفًا حتى يعلم
والَّذين يؤتونَ ما آَتوا وُقُلوبهم وجِلَةٌ أَنهم : قبولها؛ فالله تعالى يقول
المؤمنون: 60 ]. وقد شر ع الله لأهل المحاسبة ] ِإَلى ربهِم راجِعونَ
استغفارا بعد أعمالهم بعد الصلاة، وبعد صلاة الليل، وبعد الإفاضة
من عرفات، وبعد الوضوء، وبعد أداء الرسالة، وغير ذلك.
واعلموا أن من فوائد المحاسبة أن العبد يطَّلع على عيوب نفسه؛
ُث م أَورثْنا الْكتاب الَّذين اصطَفَينا : سأل رجل عائشة عن قوله تعالى
فاطر: 32 ]، فقالت: السابق من مضى على عهد رسول ] من عبادنا
وشهد له بالجنة، والمقتصد أصحابه الذين اتبعوا أثره بعده، الله
وأما الظالم لنفسه فمثلي ومثلك.
ويقول محمد بن واسع رحمه الله: لو كان للذنوب روائح ما
استطاع أحد أن يجلس بجانب أحد.
وروي أن عبدا من بني إسرائيل عب د الله ستين سنة ودعا فلم
يجب، فقال لنفسه: لو كان فيك خير لأُجِب ت؛ فما رد الدعاء إلا
بسببك. فأتي في المنام فقيل له: إن عقابك لنفسك خ ير من عبادتك
تلك السنين.
ومنها صلاح القلب، وصلاح الجوارح، والبعد عن مزالق
الشيطان. وهي دليل على الخوف من الله، ومن خاف نجى؛ فإن الله
لا يجمع على عبد خوفين ولا أمنين، من خافه في الدنيا أَمنه يوم
القيامة، ومن أَمن في الدنيا أخافه يوم القيامة.
6 كيف تحاسب نفسك ...؟
فحاسبوا أنفسكم يخف عليكم حساب الآخرة، ويتضح لكم
الطريق المستقيم، وتنالوا رضوان الله، وتسعدوا في الدنيا والآخرة،
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله
وصحبه ومن والاه..
* * * *
كيف تحاسب نفسك ...؟
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أمر بمحاسبة النفوس، وجعل عملها للصالحات
خيرا من الجلوس، وغناها بالطاعة زوا ً لا للبؤوس، وأشهد أن لا إله
إلا الله وحده لا شريك له الذي رفع بالمحاسبة الرءوس، وط هر ا
الأموال من اُلمكُوس، وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، طبيب
النفوس، أَمر بمحاسبة النفس قبل اليوم العبوس، صلى الله عليه وسلم
كلما حوسبت النفس وُأزيل الرجس، وعلى آله وصحبه ومن سا ر
على جه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإنه يجب على المسلم الذي رضي بالله ربا وبالإسلام دينا
رسو ً لا، أن يتقي الله الذي عرض الأمانة على السموات وبمحمد
والأرض والجبال فأبت أن تحملها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما
جهو ً لا؛ ليعذِّب الله المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات،
ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا رحيما.
* * * *
كيف تحاسب نفسك ...؟
حين تضي ع المحاسبة
إن من أعظم الأمانات أمانة النفس؛ فهي أعظم من أمانات
الأولاد، وأعظم من أمانات الأموال، أقسم الله ا في كتابه، ولا
.[ الشمس: 7 ] ونفْسٍ وما س واها : يقسم الله إلا بعظيم. قال تعالى
وقد جعل الله لهذه النفس طريقين: طريق تقوى، وبه تفوز
فَأَلْهمها : وتفلح، وطريق فجور، وبه تخسر وتخيب، قال تعالى
ُف جورها وتقْواها * قَد أَفْلَح من زكَّاها * وقَد خاب من د ساها
.[10- [الشمس: 8
والناظر في حال الناس اليوم يرى رخص النفوس عند أهلها،
ويرى الخسارة في حياا؛ لعدم محاسبتها، حتى أصبحت حيام تمر
ويوم تُقوم ال ساعُة يقْسِ م : وما كأا إلا ساعة؛ يقول تعالى
فَاصبِر : الروم: 55 ]، ويقول تعالى ] الْ مجرِمونَ ما لَبُِثوا غَير ساعة
كَما صبر ُأوُلو الْعزمِ من ال ر سلِ وَلا تستعجِلْ َل هم كَأَن هم يوم يرونَ ما
يوع دونَ لَم يلْبُثوا إِلَّا ساعةً من نهارٍ بلَاغٌ فَهلْ يهلَ ك إِلَّا الْقَوم
الأحقاف: 35 ]، وتمر، وما كأا إلا يوما أو بع ض يوم. ] الْفَاسُقونَ
قَالَ كَم لَبِثْتم في الْأَرضِ عدد سنِين * قَاُلوا لَبِثْنا يوما : يقول تعالى
المؤمنون]. والذين فقدوا محاسبة ] َأو بعض يومٍ فَاسأَلِ الْعا دين
َأنْ : نفوسهم يتحسرون في وقت لا ينفع فيه التح سر؛ يقول تعالى
تُقولَ نفْس يا حسرتا علَى ما فَ رطْ ت في جنبِ اللَّه وإِنْ ُ كن ت لَمن
الزمر: 56 ]، ويتمنون الرجوع إلى الدنيا؛ ليعلموا عم ً لا ] ال ساخرِين
وَلو ترى ِإذ الْ مجرِمونَ ناك سو ا : صالحًا، فلا يمكَّنون. يقول تعالى
كيف تحاسب نفسك ...؟
رءُوسهِم عند ربهِم ربنا أَبصرنا وسمعنا فَارجِعنا نعملْ صالحا إِنا
السجدة: 12 ]، ويقْدمون على رم كعبد أَبق عن سيده ] موقنونَ
ثم ُأعيد إليه يستقبله بالقيود والسلاسل والسجن والضرب والنكال،
ويكرهون لقاء الله، ومن كَِره لقاء الله َ كره الله لقاءه، ويكرهون
الموت؛ لأم عمروا الدنيا وأخربوا الآخرة؛ فهم يكرهون الانتقال
من العمران إلى الخراب.
ودعام إلى الضياع والخسارة هم عباد الدنيا الذين جعلوا
دنياهم لهوا ولعبًا وزينة وتفاخرا وتكاثرا من الأموال والأولاد،
من كَانَ يرِي د حرثَ الْآَخرة نزِد َله : وجعلوها إفلاسا. يقول تعالى
في حرثه ومن كَانَ يرِي د حرثَ ال دنيا نؤته منها وما لَه في الْآَخرة من
الشورى: 20 ]، وجعلوها متاعا زائ ً لا لا يسمن ولا يغني ] نصيبٍ
ِإنما هذه الْحياُة ال دنيا متاع وِإنَّ الْآَخرةَ : من جوع. يقول تعالى
.[ غافر: 39 ] هي دا ر الْقَرارِ
وبترك محاسبة النفس تسلَّ َ ط الشيطان الذي دعا إلى المعصية،
وحذَّر من الطاعة، وزين الباطل، وثبط عن العمل الصالح، وص د
عنه وأفسده، وأشغل بما لا نفع فيه.
وبترك محاسبة النفس تمكنت الغفلة من الناس؛ فأصبح لهم قلوب
لا يفقهون ا، ولهم أعين لا يبصرون ا، ولهم آذان لا يسمعون
ا، أولئك كالأنعام بل هم أضل، أولئك هم الغافلون. يقول تعالى:
وَلقَد ذَرأْنا لجهنم كَثيرا من الْجِ ن والْإِنسِ َل هم ُقُلوب َلا يفْقَ هونَ ِبها
وَل هم َأعين َلا يبص رونَ ِبها وَل هم آَذَانٌ َلا يسمعونَ ِبها ُأوَلئك كَالْأَنعامِ
.[ الأعراف: 179 ] بلْ هم أَضلُّ ُأولَئك ه م الْغافُلونَ
كيف تحاسب نفسك ...؟
وليعلم المسلم أنه لن يسلم من هذه الخسارة والضياع إلا من
اتصف بأربع صفات:
* صفات الإيمان التي يحصل ا الأمن في الدنيا والآخرة.
* صفة العمل الصالح التي يحصل ا الصلاح في الدنيا والآخرة.
* صفة التواصي بالحق التي تحصل ا النصيحة الواجبة، ويحصل
ا حب الخير للغير.
* صفة التواصي بالصبر: فإنه لا ثمرة لأي عمل إلا بالصبر، وهو
والْعصرِ * ِإنَّ : من الدين بمنزلة الرأس من الجسد. يقول تعالى
الْإِنسانَ َلفي خسرٍ * ِإلَّا الَّذين آَمنوا وعمُلوا ال صالحات وتواصوا
3]. قال الإمام الشافعي: لو لم - العصر: 1 ] ِبالْح ق وتواصوا ِبال صبرِ
ينزِل الله على خلقه ح جة إلا هذه السورة لكفتهم.
* * * *
كيف تحاسب نفسك ...؟
كيف تحاسب نفسك؟!
وحتى نتصف ذه الصفات ونحظى ذه الكرامات فإنه لاب د من
َلا تبديلَ لخلْقِ ، محاسبة النفس؛ لتعود إلى فطرا التي فطرها الله عليها
،[ الروم: 30 ] اللَّه ذَلك ال دي ن الْقَي م ولَك ن أَكْثَر الناسِ لَا يعلَ مونَ
ولتقوم بحق را فتعبده ولا تشرِك به شيئًا، وتحفظ دنياها وأُخراها.
يا َأيها : ولأهمية محاسبة النفس أَمر الله تعالى ا في كتابه فقال
الَّذين آَمنوا اتُقوا اللَّه ولْتن ُ ظر نفْس ما قَ دمت لغد واتُقوا اللَّه إِنَّ اللَّه
خبِير ِبما تعمُلونَ * ولَا ت ُ كونوا كَالَّذين ن سوا اللَّه فَأَنساهم أَنُفسهم
ُأولَئك ه م الْفَاسُقونَ * َلا يستوِي َأصحا ب النارِ وَأصحا ب الْجنة
20 ]، ووع د الله بالجنة - الحشر: 18 ] َأصحا ب الْجنة ه م الْفَائ زونَ
وأَما من خاف مقَام ربه ونهى : لمَن حاسب نفسه، يقول تعالى
،[41 ، النازعات: 40 ] النفْس عنِ الْهوى * فَإِنَّ الْجنةَ هي الْمأْوى
.« حفَّت الجنة بالمَكَارِه » : ويقول
والنفوس ثلاثة أقسام:
-1 نفس مليئة بالخير مستجيبة لله مراقبة له تشبه الملائكة،
تسعى لغذاء الروح، همُّها الآخرة، كأنما تراها رأي العين، دائمة
المحاسبة، لا تكل، ولا تمل، اشتغالها بإرضاء را وكثرة ذكره
وشكره، وهذه النفس هي التي رضيت بالله ربا وبمحمد رسو ً لا
وبالإسلام دينا، وهي النفس التي استعدت للقاء الله تعالى، حتى لو
قيل بأن القيامة يوم غد- ما وجد ت للعمل الصالح مزيدا، وهي
0 كيف تحاسب نفسك ...؟
النفس التي أحبت لقاء الله فأح ب الله لقاءها، وتسمى هذه النفس
يا أَيتها النفْ س الْ مطْمئنُة * ارجِعي : يقول تعالى ، النفْ س الْ مطْمئنُة
إِلَى ربك راضيةً مرضيةً * فَاد خلي في عبادي * واد خلي جنتي
َأَلا ِبذكْرِ اللَّه تطْمئ ن الُْقُلو ب : 30 ]، ويقول تعالى - [الفجر: 27
[الرعد: 28 ]، وقد ورد في سيرة ابن عباس أم لمَّا دفنوه سمعوا قارئًا
الآيات. ... يا أَيتها النفْ س الْ مطْمئنُة : يقرأ
-2 والنفس الثانية: نفس لا تثبت على حال واحدة فهي
كثيرة التقلُّب والتلون، فتذْ ُ كر وتغفَل، وتقْبل وتعرِض، وتح ب
وتبغض، وتفْرح وتحزن، وترضى وتغضب، تلوم صاحبها على ترك
الطاعات وعلى فعل السيئات، وهذه النفس بين نوازع الخير
ونوازع الشر، وبين جاذبيتي العقل والشهوة، وتسمى هذه النفس
لَا ُأقْسِ م بِيومِ : (النفس اللوامة)، وقد أقسم الله تعالى ا فقال
.[2 ، القيامة: 1 ] الْقيامة * ولَا ُأقْسِ م بِالنفْسِ اللَّوامة
-3 والنفس الثالثة: نفس مليئة بالشر مطاوعة للشيطان،
عاصية للرحمن، بعيدة عن التقوى، قريبة من الهوى، ركوا إلى
الدنيا، تميل إلى الطبيعة الدنية، وتجذب القلب إلى الجهة السفلية،
وتسمى هذه النفس (النفس الأمارة بالسوء)، يقول الله تعالى عن
وما ُأب ر ئ نفْسِي إِنَّ : هذه النفس وهو يحكي قصة امرأة العزيز
يتع وذ من هذه يوسف: 53 ]. وقد كان ] النفْس لَأَمارةٌ بِال سوءِ
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه » : النفس؛ إذ يقول في خطبة الحاجة
أعوذ بك » : ويقول ،« ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
.« من شر نفسي
كيف تحاسب نفسك ...؟
ومحاسبة النفس أمر مطلوب؛ لأنه قيام بأمر الله تعالى، وازدياد
من الحسنات، ومسابقة إلى الخيرات، ومنع للنفس من الأهواء
والشهوات، وترك للسيئات، واقتداء بالأنبياء عليهم السلام؛ فمما
أربع ساعات لا ينبغي لعاقل أن يغفل » : ورد في صحف إبراهيم
عنهن: ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يتفكر في خلق السموات
.« والأرض، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة لنفسه وأهله
كان يقَسم وقته إلى أربعة أقسام: » * وروي أن داود
ساعة يعبد فيها ربه، وساعة يحكم فيه ا ويقضي بين الناس، وساعة
وصاحب هذا .« يدعو فيها إلى الخير، وساعة لمطعمه ومشربه وأهله
التقسيم وهذا الحرص على الخير والسبق إلى النجاة كان يصوم يوما
ويف طر يوما، وكان يقوم ثلث الليل، وينام نصفه.
يتفقَّد الخيل ويعدها للجهاد في سبيل الله * وكان سليمان
تعالى، فأشغلته عن ذكْر الله فقام بذبحها وتقطيع سيقاا، وقسم
لحمها بين الفقراء والمساكين قربة إلى الله تعالى وتأديبا لنفسه،
فعوضه الله ذه المحاسبة مكان الخيل الريح تقطع في ُ غد وة أو رو حة
ول سلَيمانَ ال ريح : ما كانت تقطعه الخيل في شهر. قال تعالى
.[ سبأ: 12 ] ُ غ د وها شهر وروا حها شهر
فقلبه سليم، ؛ ومن أكثر الخلق محاسبة لنفسه رسول الله
ولسانه ذاكر، وبصره محفوظ، وسمعه مليء بالخير، ويده منفقة،
ورجله إلى الخيرات تمضي، ونفعه ع م البر والبحر، وصلاته في
الجماعة دائمة، وقيامه للَّيل دائم؛ حتى أنه إذا نام أو كسل في الليل
صلَّى من النهار ثنتي عشرة ركعة.
2 كيف تحاسب نفسك ...؟
وكان يواظب في اليوم والليلة على أربعين ركعة، سبع عشرة
فرائض، وإحدى عشرة قيامه الليل، وثنتي عشرة الرواتب.
يأخذ ومحاسبة النفس هو هدي الصالحين؛ فها هو أبو بكر
بلسان نفسه ويقول: يا ليتني كنت شجرة تعضد.
وها هو عمرو بن العاص يقول عند وفاته: لقد كنت في
الجاهلية أحرص على قتل رسول الله؛ فلو حدث لدخل ت النار، ثم
أسلمت وبسطت يدي أبايعه فاشترطت، فقال: إن الإسلام يجب ما
قبله...
وها هو حنظلة الأسيدي يقول لأبي بكر: نافقت. قال أبو بكر:
الحديث. ... وأنا كذلك، ويذهبان إلى النبي
وها هو إبراهيم يقول: مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها
وأشرب من أارها وُأعانق حورها، ثم مثلت نفسي في النار آكل
من زقُومها وأشرب من حميمها وغَساقها وأعالج سلاسلها ثم قلت:
يا نفس ماذا تريدين؟ قالت: أريد العودة إلى الدنيا لأعمل صالحًا.
فقلت لها: أنت لا تزالين في الدنيا فاعملي عم ً لا صالحًا.
وليعلم المسلم أن محاسبة النفس نوعان:
* نوع قبل العمل: وهو أن ينظر العبد في هذا العمل هل هو
مقدور عليه فيعمله، مثل الصيام والقيام، أو غير مقدور عليه فيتركه
ثم ينظر هل في فعله خير في الدنيا والآخرة فيعمله، أو في عمله شر
في الدنيا والآخرة فيتركه، ثم ينظر هل هذا العمل لله تعالى أم للبشر
والدنيا؛ فإن كان لله فَعله وإن كان لغيره تركه.
كيف تحاسب نفسك ...؟ 3
* والنوع الثاني محاسبة النفس بعد العمل: وهو ثلاثة أنواع:
-النوع الأول: محاسبة النفس على طاعات قصرت فيها،
كتركها للإخلاص أو للمتابعة، أو ترك العمل المطلوب كترك الذكر
اليومي أو بعضه، أو ترك قراءة القرآن، أو ترك الدعوة أو ترك
الصلاة جماعة، أو عدم أداء الصلاة على الوجه المطلوب، أو ترك
الرواتب.
ومحاسبة النفس في هذا النوع أن يكمل النقص ويصلح الخطأ،
ويسارع في الخيرات، ويترك النواهي ويتوب منها ويستغفر الله،
ويدوام على الذكر، ويراقب الله تعالى، ويحاسب قلبه فيما أضمره،
ويعمل على سلامته، ويحاسب اللسان فيما قاله، ويشغله بالخير أو
الصمت، ويتذكر أن السلف كانوا يعدون كلامهم في الأسبوع،
ويحاسب العين فيما نظرت، فيطلقها في الحلال ويغضها عن الحرام،
ويحاسب الأُُذن ما الذي سمعته، فيكْثر من سماعها للخير ويمنعها من
الشر، وهكذا جميع الجوارح؛ فإا إما أن تحافظ على رأس المال
وهو الفرائض، وتزيد الأرباح وهي النوافل، وإما أن تعمل على
خسارة الأرباح ورأس المال.
والنوع الثاني من المحاسبة بعد العمل: أن يحاسب نفسه على
كل عمل كان تر ُ كه خيرا له من فعله؛ لأنه أطاع فيه الهوى
: والنفس، وهو نافذة على المعاصي؛ ولأنه من المتشابه. يقول
إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات ؛ فمن »
اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات
.« د ع ما يريبك إلى ما لا يريبك » : ويقول ،« وقع في الحرام
4 كيف تحاسب نفسك ...؟
والنوع الثالث: أن يحاسب نفسه على أمر مباح أو معتاد لم
يفعله، وهل أراد به الله والدار الآخرة، قال عمر بن الخطاب:
حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزِنوا أعمالكم قبل أن توزن،
وتأهبوا ليوم العرض يوم تعرضون لا تخفى منكم خافية.
واعلموا أن أركان المحاسبة ثلاثة:
* الركن الأول: أن تقايض بين نعمة الله عليك وبين جنايتك؛
فنعمه لا تعد ولا تحصى؛ خلَقَك فَسواك، وعدلَك، ورزقَك في
بطن أمك وبعد خروجك، وأسبغ عليك النِعم، وأمدك بالصحة
والعافية، وس خر لك ما في السموات وما في الأرض، وأغناك عما
سواه، فاعترف بنعمته، واعترف بذنبك، ولذا كان سيد الاستغفار
أَبوء لك بنعمتك » : من أَجلِّ الاستغفار؛ لأنه جم ع بينهما في قوله
ولا ،« عل ي، وأبوء بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت
يوجد هذا الركن إلا عند من رزَقه الله نورا في قلبه؛ يعرف الحق
فيتبعه، ويعرف الباطل فيجتنبه، ولا يكون إلا عند من أساء الظن
بنفسه ليسلم من التزكية ومن العجب والخيلاء، ولا يكون إلا ممن
ميز بين النعمة والنقمة؛ فمن عب د الله بنعمته فهي نعمة، ومن عصى
الله بنعمته فهي استدراج.
* والركن الثاني: هو أن تميز بين حق الله عليك وبين ما أباحه
لك؛ فإنَّ حقَّه عليك التزام العبودية وترك المعصية، وحقك ما أباح
أتدري ما حق الله على » : لك من الشرع. وفي حديث معاذ
.« العباد: أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًَا
كيف تحاسب نفسك ...؟ 5
* والركن الثالث: أن يكون حريصا على قبول العمل؛ فيكْثر
من الدعاء والاستغفار والتوبة، ويكون وجِِ ً لا خائفًا حتى يعلم
والَّذين يؤتونَ ما آَتوا وُقُلوبهم وجِلَةٌ أَنهم : قبولها؛ فالله تعالى يقول
المؤمنون: 60 ]. وقد شر ع الله لأهل المحاسبة ] ِإَلى ربهِم راجِعونَ
استغفارا بعد أعمالهم بعد الصلاة، وبعد صلاة الليل، وبعد الإفاضة
من عرفات، وبعد الوضوء، وبعد أداء الرسالة، وغير ذلك.
واعلموا أن من فوائد المحاسبة أن العبد يطَّلع على عيوب نفسه؛
ُث م أَورثْنا الْكتاب الَّذين اصطَفَينا : سأل رجل عائشة عن قوله تعالى
فاطر: 32 ]، فقالت: السابق من مضى على عهد رسول ] من عبادنا
وشهد له بالجنة، والمقتصد أصحابه الذين اتبعوا أثره بعده، الله
وأما الظالم لنفسه فمثلي ومثلك.
ويقول محمد بن واسع رحمه الله: لو كان للذنوب روائح ما
استطاع أحد أن يجلس بجانب أحد.
وروي أن عبدا من بني إسرائيل عب د الله ستين سنة ودعا فلم
يجب، فقال لنفسه: لو كان فيك خير لأُجِب ت؛ فما رد الدعاء إلا
بسببك. فأتي في المنام فقيل له: إن عقابك لنفسك خ ير من عبادتك
تلك السنين.
ومنها صلاح القلب، وصلاح الجوارح، والبعد عن مزالق
الشيطان. وهي دليل على الخوف من الله، ومن خاف نجى؛ فإن الله
لا يجمع على عبد خوفين ولا أمنين، من خافه في الدنيا أَمنه يوم
القيامة، ومن أَمن في الدنيا أخافه يوم القيامة.
6 كيف تحاسب نفسك ...؟
فحاسبوا أنفسكم يخف عليكم حساب الآخرة، ويتضح لكم
الطريق المستقيم، وتنالوا رضوان الله، وتسعدوا في الدنيا والآخرة،
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد بن عبد الله وعلى آله
وصحبه ومن والاه..
* * * *