صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء ٥
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي
له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا
عبده ورسوله ، الذي أنزل عليه القرآن هدى للناس وبينات من
الهدى والفرقان، النور المبين وحبل الله المتين، يهدي به الله من اتبع
رضوانه سبل السلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه،
ويهديهم إلى صراط مستقيم، صراط الله الذي له ما في السموات
يَا َأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَُّقوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وََلا تَمُوتُنَّ وما في الأرض
يَا َأيُّهَا النَّاسُ اتَُّقوا رَبَّكُمُ الَّذِي خََلَق ُ كمْ (١) ِإلَّا وََأنْتُمْ مُسْلِمُو َ ن
مِنْ نَفْ ٍ س وَاحِدَةٍ وَخََلقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا ِ رجَاًلا َ كثِيرًا
وَِنسَاءً وَاتَُّقوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَُلو َ ن ِبهِ وَاْلَأرْحَامَ ِإنَّ اللَّهَ كَا َ ن عََليْ ُ كمْ
يَا َأيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَُّقوا اللَّهَ وَُقوُلوا َقوًْلا سَدِيدًا * (٢) رَقِيبًا
يُصْلِحْ َل ُ كمْ َأعْمَاَل ُ كمْ وَيَغْفِرْ َل ُ كمْ ُ ذنُوبَ ُ كمْ وَمَنْ يُطِ ِ ع اللَّهَ وَرَسُوَلهُ
.(٣) َفَقدْ فَازَ َفوْزًا عَظِيمًا
أما بعد فإنه في ظل معايشة كتاب الله معايشة كاملة ، وفي أناة
وتدبر عميقين ، وفي ظل اشتداد وطأة الحياة على الناس ، وكلفي
الشديد بالبحث عما به تخف معاناة الناس، ويتحول ما ﺑﻬم من غم
.[ ١) آل عمران، الآية: [ ١٠٢ )
.[ ٢) سورة النساء، الآية: [ ١ )
.٧١- ٣) الأحزاب: ٧٠ )
٦ صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء
وهم إلى فرح وسرور وﺑﻬجة وحبور ، فقد وجدتني مدفوعًا إلى
الوقوف طوي ً لا أمام ما يحدث في حياة الناس من ابتلاءات شتى ،
ومصائب جمة عديدة ومتنوعة ، معنوية كانت أم مادية ، تعرض من
تصيبه لكروب عظيمة وضروب من الضيق قليل من يصمد أمامها ،
أبرز معالمها في الجانب المعنوي غربة الدين ، وغربة الصالحين ،
وهجمة الأعداء على المؤمنين ، وتغير معالم الحياة اليومية في بلدان
المسلمين حتى كثر القائلون بأن باطن الأرض اليوم خير من ظهرها
َأِ زَفتِ الْآَ ِ زَفةُ * َليْسَ َلهَا مِنْ : ، بل إن البعض يكرر قول الله تعالى
(١) دُونِ اللَّهِ كَاشَِفةٌ
أما في الجانب المادي ، فشيوع الفزع والهلع من المصائب
المادية التي بدأت تعصف بالناس كاﻧﻬيارات الأسواق المالية في بلدان
المسلمين الذين لم يكن لهم سابق عهد ﺑﻬا، وما نتج عن ذلك من
إصابات في الناس أفرزت ضروبَا من التصرفات لا تكاد تصدر إلا
عن غير الأسوياء ، وكلا الأمرين في نظري محتاج إلى وصفة طبية
تكون بإذن الله بلسمًا شافيا تعيد إلى النفوس عافيتها وصحتها
وطمأنينتها ، فتذكرت حينئذ أنه لابد أن يكون في كتاب الله ما به
تزول الغمة وتكشف الكربة ، فطفقت أعيد التأمل في نصوص
القرآن العظيم علِّي أجد ما به تقر عيني ويهدأ خاطري ويزول
روعي من هول ما أرى من حولي وشدة انصراف معظم الناس عن
َقدْ جَاءَ ُ كمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ النور العظيم الذي منَّ الله عليهم به
.٥٨- ١) النجم ٥٧ )
صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء ٧
وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي ِبهِ اللَّهُ مَ ِ ن اتَّبَعَ ِ رضْوَانَهُ سُبُ َ ل السََّلاِم
وَيُخْ ِ رجُهُمْ مِنَ الظُُّلمَاتِ ِإَلى النُّو ِ ر ِبِإذِْنهِ وَيَهْدِي ِ همْ ِإَلى صِرَاطٍ
١) فتملكني العجب مما وجدت من نصوص كريمة عديدة ) مُسْتَقِي ٍ م
تقدم حلو ً لا شافية لكل ما يعانيه البشر من نوائب وصروف وشدائد
وكروب، وتملكني الغضب والاندهاش من انصراف الناس عن هذا
وَقَا َ ل الرَّسُو ُ ل يَا رَبِّ ِإنَّ َقوْمِي ، الكنز المعرفي العظيم وصدق الله
وَِإنَّهُ ٢) مع أنه عزهم وفخرهم ) اتَّخَ ُ ذوا هَ َ ذا الْقُرْآَ َ ن مَهْجُورًا
[ الزخرف: ٤٤ ] َلذِكْرٌ َلكَ وَلَِقوْمِكَ
قد يقول قائل هذا الذي تقول لا يعدو أن يكون من العموميات
التي لا يسندها تفصيل في القضية التي شغلت بالك وملكت عليك
نفسك ، فأقول لأخي لا تعجل فإن ما سأسرده عليك من نصوص
تكشف عن السر العظيم الذي عثرت عليه ، والعلم الرفيع الذي
وصلت إليه سيجعلك بإذن الله أكثر تحمسًا مني ، وأشدَّ اندفاع ا
لكتاب الله بحثا عن حل لكل معضلة ، أو جوابا لسؤال استعصى
عليك الإجابة عنه ، أو صوابًا في حكم ، أو سداد في قول ، أو كما ً لا
في خلق ، أو حكمة في رأي أو غير ذلك مما يعرض لك في الحياة.
وإني متناول لموضوع هذا الكتيب الصغير الذي أسميته " صدق
اللجأ إلى الله وأثره في إجابة الدعاء " في مباحث ثلاثة بعد المقدمة
هي:
.١٦- ١) سورة المائدة الآيات ١٥ )
.( ٢) الفرقان ( ٣٠ )
٨ صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء
المبحث الأول: مكانة الدعاء من العبادة.
المبحث الثاني: دعاء الأنبياء والصالحين واستجابة الله لهم
المبحث الثالث: دعاء المضطرين عموما وسرعة استجابة الله
لهم.
والخاتمة سائلا الله سبحانه وتعالى أن يجعله عم ً لا خالصًا متقبلا
وأن ينفع به كاتبه وقارئه إنه ولِّيُ ذلك والقادر عليه.
١٤٢٨ ه. /٣/ الرياض في الأحد ٢٧
* * *
صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء ٩
المبحث الأول: مكانة الدعاء من العبادة
في الحديث الدعاء ذو منزلة عظيمة في الدين بينها الرسول
وبه أمرنا الله جل جلاله في « الدعاء هو العبادة » الصحيح بقوله
١) وقوله جل جلاله ) وَقَا َ ل رَبُّكُمُ ادْعُوِني َأسْتَ ِ جبْ َل ُ كمْ قوله
٢) وهو ) هُوَ الْحَيُّ َلا ِإَلهَ ِإلَّا هُوَ َفادْعُوهُ مُخْلِصِينَ َلهُ الدِّي نَ
وَِإ َ ذا سََأَلكَ عِبَادِي : سبحانه اﻟﻤﺠيب للدعاء كما في قوله تعالى
.(٣) عَنِّي َفِإنِّي قَرِيبٌ ُأجِيبُ دَعْوََة الدَّا ِ ع ِإ َ ذا دَعَانِ
وحث عليه جل جلاله في ذيل الآية وبين أنه سبيل للرشاد
٤) وأخبر أنه ) َفْليَسْتَ ِ جيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا ِبي َلعَلَّهُمْ يَرْشُدُو َ ن
َأمَّنْ : سبحانه وتعالى هو وحده الذي يجيب دعوة المضطر بقوله
يُ ِ جيبُ اْلمُضْ َ طرَّ ِإ َ ذا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَُل ُ كمْ خَُلَفاءَ
.(٥) الَْأرْ ِ ض َأئَِلهٌ مَعَ اللَّهِ َقلِيلًا مَا تَ َ ذكَّرُو َ ن
وقد وصف سبحانه وتعالى الذين لا يدعونه بأﻧﻬم مستكبرون
ِإنَّ الَّذِينَ عن عبادته وأن مصيرهم النار وذلك في قوله جل جلاله
.(٦) يَسْتَ ْ كِبرُو َ ن عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُُلو َ ن جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ
. ١) سورة غافر، الآية ٦٠ )
. ٢) سورة غافر، الآية ٦٥ )
. ٣) سورة البقرة، الآية: ١٨٦ )
. ٤) سورة البقرة الآية ١٨٦ )
. ٥) سورة النمل، الآية: ٦٢ )
. ٦) سورة النمل، الآية: ٦٢ )
١٠ صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء
وهو تكملة أية الأمر بالدعاء السالفة ، وأخبر سبحانه وتعالى
أن من خصائص الرسل والأنبياء والصالحين أنه يدعونه سبحانه
وتعالى رغبًا ورهبًا ، وإًذا فأمرٌ هذا مكانته في الدين لا يعدل عنه إلا
من خذله الله ، وحرمه من أنفع الأمور في تحقيق خيري الدنيا
والآخرة.
ولما كان الدعاء ﺑﻬذه المنزلة العظيمة في الدين فإن على الداعي
أن يستنفد أسباب الاستجابة، ومن أهم تلك الأسباب وأعظمها هو
صدق اللجأ إلى الله ، وتعلق القلب به وحده دون سواه ، وهذا ما
كشفت عنه النصوص القرآنية التي توقفنا عندها في الكشف عن
هذه الحقيقة ، حيث تكرر فيها النص على الإخلاص لله في الدعاء
وَ َ ظنُّوا َأنَّهُمْ ،[ غافر: ١٤ ] َفادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ َلهُ الدِّينَ
َأمَّنْ يُ ِ جيبُ اْلمُضْ َ طرَّ (١) ُأحِي َ ط ِب ِ همْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ َلهُ الدِّينَ
وَِإ َ ذا مَسَّ اْلِإنْسَا َ ن ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُِنيبًا ِإَليْهِ ُثمَّ ِإ َ ذا (٢) ِإ َ ذا دَعَاهُ
وَِإ َ ذا مَسَّ (٣) خَوََّلهُ ِنعْمًَة مِنْهُ نَسِيَ مَا كَا َ ن يَدْعُو ِإَليْهِ مِنْ َقبْلُ
٤) فصدق اللجأ إلى الله هو لب ) النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُِنيِبينَ ِإَليْهِ
الإخلاص لله، وقمة حسن الالتجاء إليه وهو أقصر الطرق للحصول
على إجابة الدعاء.
. ١) سورة يونس الآية ٢٢ )
. ٢) سورة النمل الآية ٦٢ )
. ٣) سورة الزمر الآية ٨ )
. ٤) سورة الروم الآية ٣٣ )
صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء ١١
ونحن إذ نتناول هذا الموضوع اليوم ﺑﻬذه الكيفية إنما ن تناوله
إحسانًا على الخلق الذين يئنون هذه الأيام تحت وطأة كثير من
الرزايا والمحن والابتلاءات ، تجعل كثيرين منهم حيارى مهمومين
مغمومين ، حتى لتكاد تجزم بأن اليأس من الفرج والقنوط من
المخرج قد استولى على نفوسهم وعرضهم لإحباطات كثيرة في
الحياة وما علموا أن الله وحده بيده الفرج والمخرج وهو سبحانه
ُق ْ ل يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ َأسْرَفُوا عََلى َأنْفُسِ ِ همْ َلا تَقْنَطُوا مِنْ يدعوهم
(١) رَحْمَةِ اللَّهِ ِإنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ِإنَّهُ هُوَ اْلغَُفورُ الرَّحِيمُ
هُوَ الْحَيُّ َلا ِإَلهَ ِإلَّا ٢) ويقول ) ادْعُوِني َأسْتَ ِ جبْ َلكُمْ ويأمرهم
(٣) هُوَ َفادْعُوهُ مُخْلِصِينَ َلهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَاَلمِينَ
قَا َ ل وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ وإبراهيم عليه السلام يرد على الملائكة الكرام
٤) ويعقوب عليه السلام يقول لأبنائه وهو ) رَحْمَةِ رَبِّهِ ِإلَّا الضَّالُّو َ ن
وََلا تَيَْئسُوا مِنْ رَوْ ِ ح اللَّهِ ِإنَّهُ َلا يحثهم على البحث عن يوسف
٥) فاللجوء إلى الله في ) يَيَْئسُ مِنْ رَوْ ِ ح اللَّهِ ِإلَّا اْلَقوْمُ الْ َ كافِرُو َ ن
صدق وإخلاص إًذا هو الطريق لحل كل الأزمات والمعضلات ،
وسبب مباشر لتفريج الكربات وأنواع الضيق وشتى أنواع الهموم
والغموم ؛ لهذا رأينا بعضًا من علمائنا الأفاضل يشيرون إلى هذا
. ١) سورة الزمر، الآية ٥٣ )
. ٢)سورة غافر: الآية ٦٠ )
. ٣)سورة غافر: الآية ٦٥ )
. ٤)سورة الحجر: الآية ٥٦ )
. ٥)سورة يوسف: الآية ٨٧ )
١٢ صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء
المعنى إشارات بالغة الأهمية نورد بعضًا منها لأهميتها في إظهار هذا
المعنى وتأكيده.
هذا الشيخ عبد الرحمن الثعالبي يقول في تفسيره الجواهر
وَِإ َ ذا سََأَلكَ عِبَادِي : الحسان في تفسير القرآن تفسيرًا لقوله تعالى
.(١) عَنِّي َفِإنِّي قَرِيبٌ ُأجِيبُ دَعْوََة الدَّا ِ ع ِإ َ ذا دَعَانِ
(قال الحسن بن أبي الحسن: سببها أن قومًا قالوا للنبي صلى الله
عليه وسلم : أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فنزلت الآية
قال قوم المعنى أجيب إن شئت، وقال قوم: إن الله تعالى ُأجِيبُ و
يجيب كل الدعاء، فإما أن تظهر الإجابة في الدنيا، وإما أن يكفر
عنه، وإما أن يدخر له أجر في الآخرة، وهذا بحسب حديث الموطأ،
الحديث). «... ما من داع يدعو إلا كان بين إحدى ثلاث » وهو
وليس هذا باختلاف قول، قال ابن رشد في "البيان"(الدعاء
عبادة من العبادات يؤجر فيها الأجر العظيم، أجيبت دعوته فيما
دعا به أو لم تجب )
وها أنا أنقل إن شاء الله من (صحيح الأحاديث) في هذا المحل
ما يثلج له الصدر:
لا تعجزوا عن » : قال : قال رسول الله عن أنس
رواه الحاكم أبو عبد الله في « الدعاء فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد
المستدرك على الصحيحين "وابن حبَّان في"صحيحه" واللفظ له،
. ١) سورة البقرة، الآية: ١٨٦ )
صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء ١٣
وقال الحاكم صحيح الإسناد.
الدعاء سلاح » : قال رسول الله وعن أبي هريرة
رواه الحاكم ،« المؤمن، وعماد الدين، ونور السموات والأرض
في "المستدرك" وقال صحيح.
قال : وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي
يدعو الله بالمؤمن يوم القيامة حتى يوقف بين يديه فيقول: عبدي »
إني أمرتك أن تدعوني ووعدتك أن أستجيب لك، فهل كنت
تدعوني؟ فيقول: نعم يارب، فيقول: أما أنك لم تدعني بدعوة إلا
استجبت لك أليس دعوتني يوم كذا وكذا لغم نزل بك أفرج
عنك فلم تر فرجّا، قال: نعم يا رب فيقول: إني ادخرت لك في
الجنة كذ وكذا كذا وكذا، ودعوتني في حاجة أقضيها لك في يوم
كذا وكذا فقضيتها، فيقول: نعم يا رب، فيقول: فإني عجلتها
لك في الدنيا، ودعوتني في يوم كذا وكذا في حاجة أقضيها لك
فلم ترَقضاءها، فيقول: نعم يا رب، فيقول: إني ادخرت لك في
فلا يدع الله دعوة دعا ﺑﻬا : الجنة كذا وكذا، قال رسول الله
عبده المؤمن إلا بيَّن له إما أن يكون عجل له في الدنيا وإما أن
يكون ادخر له في الآخرة ، قال فيقول المؤمن في ذلك المقام : يا
رواه الحاكم في "المستدرك" « ليته لم يكن عجل له شيء من دعاء
.
لا يرد القدر إلا » : قال رسول الله عن ثوبان
رواه الحاكم في "المستدرك" وابن حبان في "صحيحه " « الدعاء
١٤ صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء
واللفظ للحاكم، وقال صحيح الإسناد.
قلت وقد أخرج ابن المبارك في "رقائقه" هذا الحديث أيضًا،
قال حدثنا سفيان عن عبد الله بن قيس عن عبد الله بن أبي الجعد،
لا يرد القضاء إلا الدعاء، » : عن ثوبان قال: قال رسول الله
انتهى. « وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه
لا » : وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله
يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل، ومما لم ينزل، وإن
« البلاء لينزل من السماء فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة
رواه الحاكم في "مستدركه" وقال صحيح الإسناد، وقوله
(فيعتلجان) أي يتصارعان.
من » : وعن سليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله
سره أن يستجاب له عند الكرب والشدائد فليكثر الدعاء في
رواه الحاكم أيضًا، وقال صحيح الإسناد. « الرخاء
: وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله
« من فتح له في الدعاء منكم فتحت له أبواب الجنة »
قال الغزالي رحمه الله في كتاب "الإحياء" فإن قلت فما فائدة
الدعاء والقضاء لا يرد؟ فاعلم أن من القضاء رد البلاء بالدعاء،
فالدعاء سبب لرد البلاء واستجلاب للرحمة، كما أن الترس سبب
لرد السهم، ثم في الدعاء من الفائدة أنه يستدعي حضور القلب مع
الله عزَّ وجلَّ، وذلك منتهى العبادات، فالدعاء يرد القلب إلى الله عزَّ
وجلَّ بالتضرع والاستكانة، فانظره فإني آثرت الاختصار، وانظر
صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء ١٥
"سلاح المؤمن" الذي منه نقلت هذه الأحاديث.
عن أبي خزامة واسمه رفاعة عن أبيه » " ومن "جامع الترمذي
فقلت : يا رسول الله أرأيت رقي قال سألت رسول الله
نسترقيها، ودواء نتداوى به، وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر الله
قال أبو عيسى هذا حديث حسن « شيئًا؟ قال : هي من قدر الله
صحيح، وانظر جواب عمر لأبي عبيدة (نعم نفرّ من قد ر الله إلى
قدر الله) الحديث هو من هذا المعنى، انتهى. والله الموفق بفضله.
وفي الدعاء ومنزلته يقول سيد قطب رحمه الله ما نصه:
َأمَّنْ يُ ِ جيبُ اْلمُضْ َ طرَّ ِإ َ ذا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَُل ُ كمْ
١) ( فيلمس ) خُلَفَاءَ الَْأرْ ِ ض َأئَِلهٌ مَعَ اللَّهِ َقلِيلًا مَ ا تَذَكَّرُو َ ن
وجداﻧﻬم وهو يذكرهم بخوالج أنفسهم، وواقع أحوالهم.
فالمضطر في لحظات الكربة والضيق لا يجد له ملجأ إلا الله
يدعوه ليكشف عنه الضر والسوء ذلك حين تضيق الحلقة، وتشتد
الخنقة، وتتخاذل القوى، وتتهاوي الأسناد، وينظر الإنسان حواليه
فيجد نفسه مجردًا من وسائل النصرة وأسباب الخلاص. لا قوته، ولا
قوة في الأرض تنجده. وكل ما كان يعده لساعة الشدة قد زاغ عنه
أو تخلى.
وكل من كان يرجوه للكربة قد تنكر له أو تولى.. في هذه
اللحظة تستيقظ الفطرة فتلجأ إلى القوة الوحيدة التي تملك الغوث
[ ١)[النمل: ٦٢ )
١٦ صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء
والنجدة، ويتجه الإنسان إلى الله ولو كان قد نسيه من قبل في
ساعات الرخاء. فهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه. هو وحده دون
سواه. يجيبه ويكشف عنه السوء، ويرده إلى الأمن والسلامة،
وينجيه من الضيقة الآخذة باُلخنَّاق.
والناس يغفلون عن هذا الحقيقة في ساعات الرخاء، وفترات
الغفلة. يغفلون عنها فيلتمسون القوة والنصرة والحماية في قوة من
قوى الأرض الهزيلة. فأما حين تلجئهم الشدة، ويضطرهم الكرب،
فتزول عن فطرﺗﻬم غشاوة الغفلة، ويرجعون إلى رﺑﻬم منيبين مهما
يكونوا من قبل غافلين أو مكابرين.
والقرآن يرد المكابرين الجاحدين إلى هذه الحقيقة الكامنة في
فطرﺗﻬم، ويسوقها لهم في مجال الحقائق الكونية التي ساقها من قبل:
حقائق خلق السموات والأرض، وإنزال الماء من السماء، وإنبات
الحدائق البهيجة، وجعل الأرض قرارًا، والجبال رواسي، وإجراء
الأﻧﻬار، والحاجز بين البحرين. فالتجاء المضطر إلى الله، واستجابة
الله له دون سواه حقيقة كهذه الحقائق هذه في الآفاق وتلك في
النفس سواء بسواء ).
وهذا صاحب كتاب (مائة دعوة مجابة) يقول في بيان أهمية
الدعاء وعوامل نجاحه ما نصه.
(أخي المسلم: هذا الكتاب الذي بين يديك يحتوي على مائة
مع ذكر الدليل دعوة مختارة من كتاب الله وسنة رسوله
الصحيح على إجابة الدعوة، وكذلك صاحب كل دعوة ولقد أمرنا
صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء ١٧
الله سبحانه وتعالى بالدعاء فهو عبادة ووعدنا بالإجابة وليس بينهما
شرط..
ولا يمنعن أحد من الدعاء فإن الله قد أجاب دعاء شر الخلق
إبليس عليه لعائن الله. وإن للدعاء أركانًا وأجنحة وأسبابًا وأوقاتًا
فإن وافق أركانه قوى وإن وافق أجنحته طار في السماء وإن وافق
مواقيته فاز وإن وافق أسبابه ُأنجح.
فأركانه حضور القلب والرأفة والاستكانة والخشوع، وأجنحته
الصدق ، ومواقيته الأسحار ووقت الفطر وما بين الأذان والإقامة
وغيرها من المواقيت التي حددها الذي لا (ينطق عن الهوى) محمد
.( ومن أهم أسبابه الصلاة على نبينا محمد
ويقول صاحب كتاب " رد البلاء بالدعاء " في بيان أهمية
الدعاء ما نصه:
(لقد ابتلى الله الناس منذ بدء الخليفة، وابتلى الأنبياء وأولى
العزم من الرسل - عليهم الصلاة والسلام - وكان الله يستجيب
دعواﺗﻬم وينجيهم من المحن والضيق.
ونحن العباد الضعفاء نرجو رحمته ونخشى عذابه. ودرجه الإيمان
والصبر تختلف من شخص إلى آخر وما لنا إلا أن نتوجه إلى الله
العفو الغفور اﻟﻤﺠيب للدعوات بأكف الضراعة ليستجيب دعواتنا.
والحكمة من الابتلاء أن يُعلم الصادق من الكاذب والمؤمن من
المنافق ولو كان الأمر كله رخاءً ويسرًا لادّعى ك ُ ل مدّع أنه صادق
في دعواه.
١٨ صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء
قال بعضهم: فائدة الدعاء إظهار الفاقة بين يدي الله تعلى، وإلا
فالرب يفعل ما يشاء.
ُق ْ ل يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ : والله يغفر الذنوب جميعًا، قال تعالى
َأسْرَفُوا عََلى َأنْفُسِ ِ همْ َلا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ِإنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
(١) الذُّنُوبَ جَمِيعًا ِإنَّهُ هُوَ اْلغَُفورُ الرَّحِيمُ
فالثقة برحمة الله وفرجه في رأفته، وفي عدالته، وفي لطفه، وفي
عنايته بالمؤمن ورعايته له. إنه يتولى برحمته من حقق العبودية،
وأفعاله سبحانه حميدة دائمًا لأنه حميد مجيد.
المؤمنون يلجؤون إلى الله دائما بالدعاء والتضرع فيستجيب الله
لهم كلما أخلصوا عملهم لوجهه، حسب أحوالهم وحكمته. قال
.(٢) ِإ ْ ذ تَسْتَغِيُثو َ ن رَبَّ ُ كمْ : الله تعالى
والله الرحيم هو الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه، ويكشف
السوء والله سبحانه وتعالى رحيم رؤوف بالإنسان، وحتى يستجيب
الله دعاءنا لابد من المأكل الحلال، والمشرب الحلال ، والملبس
الحلال، والله يتقبل من المتقين. لأنه طيب لا يقبل إلا طيبًا).
ومن ذلك ما جاء في " ﺗﻬذيب ابن كثير " ما نصه:
َأمَّنْ يُ ِ جيبُ اْلمُضْ َ طرَّ ِإ َ ذا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَُل ُ كمْ
١)سورة الزمر: الآية ٥٣ )
. ٢) سورة الأنفال، الآية ٩ )
صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء ١٩
.(١) خُلَفَاءَ الَْأرْ ِ ض َأئَِلهٌ مَعَ اللَّهِ َقلِيلًا مَا تَ َ ذكَّرُو َ ن
ينبه تعالى أنه هو المدعو عند الشدائد، المرجو عند النوازل،
وَِإ َ ذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْ ِ ر ضَلَّ مَنْ تَدْعُو َ ن ِإلَّا : كما قال تعالى
(٣) ُثمَّ ِإ َ ذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ َفِإَليْهِ تَجَْأرُو َ ن (٢) ِإيَّاهُ
.(٤) َأمَّنْ يُ ِ جيبُ اْلمُضْ َ طرَّ ِإ َ ذا دَعَاهُ وهكذا قال هاهنا
أي: من هو الذي لا يلجأ المضطر إلا إليه والذي لا يكشف
ضر المضرورين سواه.
٥): عن رجل من بلهجيم، قال : ) ( روى الإمام أحمد ( ١٥
أدعو إلى الله وحده، الذي » : قلت: يا رسول الله، إلام تدعو؟ قال
إن مَسّك ضر فدعوته كشف عنك، والذي إن أضَْللْتَ بأرض
َق ْ فر فدعوتَه رَدّ عليك، والذي إن أصابتك سَنة فدعوته أنبت
لك، قال: قلت: أوصني؟، قال: لا تسبنّ أحدًا ، ولا تَزْهَدَنَّ في
المعروف، ولو أن تلقى أخاك وأنت منبسطٌ إليه وجهك، ولو أن
تُفر ِ غ من دَلوك في إناء المستقي، واترز إلى نصف الساق، فإن
أبيت فإلى الكعبين. وإياك وإسبال الإزار، فإن إسبال الإزار من
.« المخيلة، وإن الله - تبارك وتعالى – لا يحب المخيلة
. ١) سورة النمل، الآية: ٦٢ )
. ٢)سورة الإسراء: الآية ٦٧ )
. ٣)سورة النحل: الآية ٥٣ )
. ٤) سورة النمل، الآية: ٦٢ )
٢٠٦٩٣ ). وانظر الحديث التالي. /٦٤/ ٥) المسند ( ٥ )
٢٠ صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء
ففي ما تقدم بيان شاف لمكانة الدعاء في الدين ومنزلته العظيمة
فيه. وتوضيح كامل لمدى أثره في حياة المسلم وتأكيد قاطع على أن
من أقوم السبل لإجابته صدق اللجأ إلى الله سبحانه وتعالى، وحسن
الاستجابة إليه ، والرغبة فيما عنده ، والرهبة من بطشه وشديد
عقابه ، نسأل الله بمنه وجوده وكرمه أن يجعلنا ممن يدعونه رغبًا
و ر هبًا وممن كانوا له خاشعين.
* * *
صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء ٢١
المبحث الثاني:
دعاء الأنبياء والصالحين واستجابة الله لهم
اللَّهُ يَصْ َ طفِي مِنَ رسل الله وأنبياؤه هم صفوة الله من خلقه
١) وهم أعرف ) الْمَلَائِ َ كةِ رُسًُلا وَمِنَ النَّا ِ س ِإنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ
الخلق بالله ، ومن ثم فهم أشد الناس خشية له. وأكثرهم تضرعًا إليه
ِإنَّهُمْ َ كانُوا يُسَارِعُو َ ن فِي اْلخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَ َ غبًا وَرَهَبًا وَ َ كانُوا
يبتلى » ٢) وهم أكثر الناس ابتلاء لأﻧﻬم أمثل الناس ) َلنَا خَاشِعِينَ
ومعظم ابتلاءاﺗﻬم كانت في سبيل إبلاغ « المرء على قدر دينه
رسالات رﺑﻬم للناس ، وجهادهم في سبيله بالجنان واللسان والسنان
، ولشدة صلتهم برﺑﻬم كانوا أكثر الناس تضرعًا إليه، وأطهر الناس
قلوبا وأزكاهم نفوسًا، ومن ثم رأينا كثرة دعائهم لرﺑﻬم ورأينا
سرعة استجابته لدعائهم في نصوص قرآنية كثيرة نسوق نماذج منها
كما وردت بصيغة السؤال والجواب.
وأولهم أبونا أدم عليه السلام حينما أكل من الشجرة بوسوسة
وَنَادَاهُمَا إبليس عليه لعائن الله فلجأ إلى ربه مستغيثا به من عدوه
رَبُّهُمَا َأَلمْ َأنْهَ ُ كمَا عَنْ تِْل ُ كمَا الشَّجَرَةِ وََأقُلْ َلكُمَا ِإنَّ الشَّيْ َ طا َ ن
َقاَلا رَبَّنَا َ ظَلمْنَا َأنُْفسَنَا وَِإنْ َلمْ تَغْفِرْ َلنَا (٣) َل ُ كمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ
. ١) الحج: ٧٥ )
. ٢) الأنبياء: ٩٠ )
. ٣) الأعراف: ٢٢ )
٢٢ صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء
َفتََلقَّى ١). فكانت توبة الله عليه ) وَتَرْحَمْنَا َلنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ
. آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عََليْهِ ِإنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ َفغَوَى * ُثمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ َفتَابَ عََليْهِ
.(٢) وَهَدَى
َفدَعَا رَبَّهُ وهذا نوح أول رسل الله إلى الأرض يستغيث بربه
َأنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * َفَفتَحْنَا َأبْوَابَ السَّمَاءِ ِبمَاءٍ مُنْهَمٍِ ر *
(٣) وََفجَّرْنَا الَْأرْضَ عُيُونًا فَالْتََقى الْمَاءُ عََلى َأمْ ٍ ر َقدْ قُدِرَ
وهذا أبو الأنبياء خليل الله إبراهيم عليه السلام يفزع إلى ربه
. (٤) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * َفبَشَّرْنَاهُ ِبغُلَاٍم حَلِي ٍ م
وهذا موسى كليم الله عليه السلام يسجل القرآن كثرة دعائه
قَا َ ل رَبِّ ِإنِّي َ ظَلمْتُ نَ ْ فسِي َفا ْ غفِرْ ربه واستجابته جل جلاله إليه
رَبِّ ِإنِّي لِمَا َأنْزَلْتَ ِإَليَّ (٥) لِي َفغََفرَ َلهُ ِإنَّهُ هُوَ اْلغَُفورُ الرَّحِيمُ
َفجَاءَتْهُ ِإحْدَاهُمَا تَمْشِي عََلى اسْتِحْيَاءٍ َقاَلتْ (٦) مِنْ خَيْ ٍ ر َفقِيرٌ
قَا َ ل رَبِّ اشْرَحْ (٧) ِإنَّ َأِبي يَدْعُوكَ لِيَجْ ِ زيَكَ َأجْرَ مَا سََقيْتَ َلنَا
١)الأعراف : ٢٣ )
.١٢٢- ٢) طه: ١٢١ )
.١٢- ٣) سورة القمر: ١٠ )
.١٠١- ٤) الصافات: ١٠٠ )
. ٥) القصص: ١٦ )
. ٦) القصص: ٢٤ )
. ٧) القصص: ٢٥ )
صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء ٢٣
لِي صَدْ ِ ري * وَيَسِّرْ لِي َأمْ ِ ري * وَاحُْل ْ ل عُقْدًَة مِنْ لِسَاِني * يَفَْقهُوا
َقوْلِي * وَاجْعَ ْ ل لِي وَ ِ زيرًا مِنْ َأهْلِي * هَارُو َ ن َأخِي * اشْدُدْ ِبهِ
َأزْ ِ ري * وََأشْ ِ ركْهُ فِي َأمْ ِ ري * َ كيْ نُسَبِّحَكَ َ كثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ
َ كثِيرًا * ِإنَّكَ كُنْتَ ِبنَا بَصِيرًا * قَا َ ل َقدْ ُأوتِيتَ سُؤَْلكَ يَا
١) ويدعو هو وهارون عليهما السلام على فرعون وملئه ) مُوسَى
وَقَا َ ل مُوسَى رَبَّنَا ِإنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْ َ ن وَمََل َأهُ ِ زينًَة فيجيبه الله
وََأمْوَاًلا فِي اْلحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا ا ْ طمِسْ عََلى
َأمْوَالِ ِ همْ وَاشْدُدْ عََلى ُقُلوِب ِ همْ َفَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا اْلعَ َ ذابَ اْلَألِيمَ
* قَا َ ل َقدْ ُأ ِ جيبَتْ دَعْوَتُ ُ كمَا فَاسْتَقِيمَا وََلا تَتَِّبعَانِّ سَِبي َ ل الَّذِينَ َلا
.(٢) يَعْلَمُو َ ن
قَا َ ل رَبِّ اغْفِرْ لِي وهذا سليمان عليه السلام يدعو ربه
وَهَبْ لِي مُْل ً كا َلا يَنْبَغِي لَِأحَدٍ مِنْ بَعْدِي ِإنَّكَ َأنْتَ الْوَهَّابُ *
َفسَخَّرْنَا َلهُ الرِّيحَ تَجْ ِ ري ِبَأمْ ِ رهِ رُخَاءً حَيْثُ َأصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ
كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّا ٍ ص * وَآَخَرِينَ مَُقرَِّنينَ فِي اْلَأصَْفادِ * هَ َ ذا عَ َ طاؤُنَا
٣) وهذا أيوب وذو النون وزكريا ) َفامْنُنْ َأوْ َأمْسِكْ ِبغَيْ ِ ر حِسَا ٍ ب
وََأيُّوبَ ِإ ْ ذ نَادَى رَبَّهُ َأنِّي كل منهم يدعو فيستجيب الله دعاءه
مَسَِّنيَ الضُّرُّ وََأنْتَ َأرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * َفاسْتَجَبْنَا َلهُ َف َ كشَْ فنَا مَا ِبهِ
مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ َأهَْلهُ وَمِثَْلهُمْ مَعَهُمْ رَحْمًَة مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى
.٣٦- ١) طه: ٢٥ )
.٨٩- ٢) يونس: ٨٨ )
.٣٩- ٣) ص: ٣٥ )
٢٤ صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء
وَ َ ذا النُّونِ ِإ ْ ذ َ ذهَبَ مُغَاضِبًا َف َ ظنَّ َأ ْ ن َلنْ نَقْدِرَ عََليْهِ (١) لِلْعَاِبدِينَ
َفنَادَى فِي الظُُّلمَاتِ َأ ْ ن َلا ِإَلهَ ِإلَّا َأنْتَ سُبْحَانَكَ ِإنِّي كُنْتُ مِنَ
الظَّالِمِينَ * َفاسْتَجَبْنَا َلهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَ َ ك َ ذلِكَ نُنْ ِ جي الْمُؤْمِِنينَ
* وَزَ َ ك ِ ريَّا ِإ ْ ذ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ َلا تَ َ ذرِْني َفرْدًا وََأنْتَ خَيْرُ الْوَاِ رثِينَ *
َفاسْتَجَبْنَا َلهُ وَوَهَبْنَا َلهُ يَحْيَى وََأصَْلحْنَا َلهُ زَوْجَهُ ِإنَّهُمْ َ كانُوا
يُسَارِعُو َ ن فِي اْلخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَ َ غبًا وَرَهَبًا وَ َ كانُوا َلنَا
. (٢) خَاشِعِينَ
وهذا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل وخاتمهم يدعو
ِإ ْ ذ تَسْتَغِيُثو َ ن رَبَّ ُ كمْ َفاسْتَجَابَ َل ُ كمْ ربه يوم بدر فيستجيب الله له
٣) وهؤلاء المؤمنون ) َأنِّي مُمِدُّكُمْ ِبَألْفٍ مِنَ الْمَلَائِ َ كةِ مُرْدِفِينَ
عموما يدعون الله دعوات مباركات في آخر سورة آل عمران من
(٤) رَبَّنَا مَا خََلقْتَ هَ َ ذا بَاطًِلا سُبْحَانَكَ َفقِنَا عَذَابَ النَّا ِ ر بدء قوله
َفاسْتَجَابَ َلهُمْ رَبُّهُمْ َأنِّي َلا ُأضِيعُ عَمَ َ ل عَامِ ٍ ل إلى قوله جل جلاله
مِنْ ُ كمْ مِنْ َ ذ َ ك ٍ ر َأوْ ُأنَْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْ ٍ ض فَالَّذِينَ هَاجَرُوا
وَُأخْ ِ رجُوا مِنْ دِيَا ِ رهِمْ وَُأو ُ ذوا فِي سَِبيلِي وََقاتَُلوا وَقُتِلُوا َلأُكَفِّرَنَّ
عَنْهُمْ سَيِّئَاتِ ِ همْ وََلأُدْخَِلنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْ ِ ري مِنْ تَحْتِهَا اْلَأنْهَارُ َثوَابًا
٥) وهؤلاء المخلصون من ) مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَا ِ ب
.٨٤- ١) الأنبياء: ٨٣ )
.٩٠- ٢) الأنبياء: ٨٧ )
. ٣) الأنفال: ٩ )
. ٤) آل عمران: ١٩١ )
. ٥) آل عمران: ١٩٥ )
صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء ٢٥
بني إسرائيل عند مقابلتهم لعدوهم جالوت يدعون رﺑﻬم فيستجيبُ
وََلمَّا بَرَزُوا لِجَاُلوتَ وَجُنُودِهِ َقاُلوا رَبَّنَا َأْف ِ ر ْ غ عََليْنَا صَبْرًا الله لهم
وََثبِّتْ َأقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عََلى الَْقوِْم الْ َ كافِرِينَ * َفهَزَمُوهُمْ ِبِإذْنِ اللَّهِ
وََقتَ َ ل دَاوُودُ جَاُلوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ اْلمُْلكَ وَالْحِكْمََة وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ
وََلوَْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ ِببَعْ ٍ ض َلَفسَدَتِ اْلَأرْضُ وََلكِنَّ اللَّهَ
.(١) ُ ذو َفضْ ٍ ل عََلى الْعَاَلمِينَ
وأصحاب الصخرة . كما في الحديث الصحيح عندما سدت
عليهم الصخرُة الكهف وحل ﺑﻬم من الكرب ما كان فالتجؤوا
لرﺑﻬم وتوسلوا إليه بصالح أعمالهم ففرج الله عنهم (إنه كان فيمن
قبلكم...).
حَدََّثنَا إسماعيل بن خليل، أخبرنا علي بن مسهر، عن عبيد بن
عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ- رضي الله عنهما- أن رسول الله
بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يمشون إذ أصاﺑﻬم مطرٌ، » : قال
فأووْا إلى غا ٍ ر، فانطبقَ عليهمْ، فقا َ ل بعضهمْ لبع ٍ ض: إنهُ والله يا
هؤلاءٍ َ لا ينجيكمْ إلاَّ الصدقُ، فليدعُ كلُّ رج ٍ ل منكمْ بما يعلمُ أنهُ
قدْ صدقَ فيهِ فقا َ ل واحدٌ منهمُ اللهم إنْك كنتَ تعلمُ أنه كا َ ن لي
أجيرٌ عم َ ل لي علىَ فر ٍ ق منْ أرزٍّ، فذهبَ وتركهُ، وأني عمدتُ إلى
ذلكَ الفر ِ ق فزرعتهُ، فصارَ منْ أمرهِ أني اشتريتُ منهُ بقرًا، وأنه
أتاني يطلبُ أجرهُ فقلت اعمدْ إلى تلكَ البق ِ ر. فسقهَا ، فقا َ ل لي
إنما لي عندكَ فرقٌ منْ أرزٍّ. فقلتُ لهُ اعمدْ إلى تلكَ البق ِ ر فإﻧﻬَا من
.٢٥١- ١) البقرة: ٢٥٠ )
٢٦ صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء
ذلكَ الفر ِ ق، فساقهَا ، فإ ْ ن كنتَ تعلمُ أني فعلتُ ذلكَ منْ
خشيتكَ، ففرجْ عنَّا . فانساحتْ عنهمُ الصخرُة. فقا َ ل الآخرُ
اللهمَّ إنْك كنتَ تعلمُ أنهُ كا َ ن لي أبوانِ شيخانِ كبيرانِ، فكنتُ
آتيهمَا كلَّ ليلةٍ بل ِ بن غن ٍ م لي، فأبطأتُ عليهمَا ليلًة فجئتُ وقدْ
رقدَا وأهلي وعيالي يتضاغون منَ الجو ِ ع ، فكنتُ لا أسقيهمْ حتَّى
يَشربَ أبواىَ، فكرهتُ أ ْ ن أوقظهمَا ، وكرهت أن أدعهما،
فيستكنا لشربتهما، فلم أزل أنتظر حتَّى طلع الفجرُ، فإ ْ ن كنتَ
تعلمُ أني فعلتُ ذلكَ منْ خشيتكَ، ففرجْ عنا. فانساحتْ عنهمُ
الصخرُة ، حتى نظروا إلى السماءِ. فقا َ ل الآخرُ اللهمَّ إنك كنتَ
تعلمُ أنهُ كان لي ابنُة عمِّ منْ أحبِّ النا ِ س إلىَّ ، واني راودﺗﻬا عنْ
نفسهَا فأبتْ إلاَّ أن آتيهَا بمائةِ دينا ٍ ر، فطلبتهَا حتى قدرتُ، فأتيتهَا
ﺑﻬا فدفعتُهَا إليهَا، فأمكنتني من نفسهَا، فلماَّ قعدتُ بينَ رجليهَا ،
قالتِ ات ِ ق الله ولا تفضَّ الخاتم إلاَّ بحقهِ. فقمتُ وتركتُ المائَة
دينا ٍ ر، فإ ْ ن كنتَ تعلمُ أني فعلتُ ذلكَ منْ خشيتكَ ففرج عنَّ ا.
.« ففرج الله عنهم فخرجوا
وإذا فلقد كان صدقُ اللجأ إلى الله سببًا مباشرًا في إجابة من
دعا الله سبحانه وتعالى من الأنبياء والصالحين كما هو ظاهر
النصوص التي سقنا نماذج منها استغناء ﺑﻬا عن الحصر لدلالتها على
المقصود وكفايتها فيه، فهل بعد هذا يرغب عاقل عن هذا العلاج
الناجع لكل كرب وكل هم وغم بل وكل داء دواء . وقد كان
هذا ديدن الأنبياء والمرسلين والصالحين. أقرأ ما كتبه سيد قطب
رحمه الله في قصة أيوب عليه السلام ودعائه ربه واستجابته له لما له
صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء ٢٧
من دلالة على ما نقول ونصه.
وََأيُّوبَ ِإ ْ ذ نَادَى رَبَّهُ َأنِّي مَسَِّنيَ الضُّرُّ وََأنْتَ َأرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ * َفاسْتَجَبْنَا َلهُ َف َ كشَْ فنَا مَا ِبهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ َأهَْلهُ
(١) وَمِثَْلهُمْ مَعَهُمْ رَحْمًَة مِنْ عِنْدِنَا وَذِ ْ كرَى لِلْعَاِبدِينَ
(وقصة ابتلاء أيوب من أروع قصص الابتلاء . والنصوص
القرآنية تشير إلى مجملها دون تفصيل. وهي في هذا الموضع تعرض
دعاء أيوب واستجابة الله للدعاء. لأن السياق رحمة الله بأنبيائه،
ورعايته لهم في الابتلاء. سواء كان الابتلاء بتكذيب قومهم لهم
وإيذائهم، كما في قصص إبراهيم ولوط ونوح. أو بالنعمة في قصة
داود وسليمان. أو بالضر كما كان في حال أيوب..
وأيوب هنا في دعائه لا يزيد على وصف حاله.. "أني مسني
الضر" ووصف ربهَ بصفته" وأنت أرحم الراحمين". ثم لا يدعو بتغير
حالة صبرًا على بلائه ولا يقترح شيئا على ربه تأدبًا معه وتوقيرًا
فهو نموذج للعبد الصابر لا يضيق صدره بالبلاء ولا يتململ من
الضر الذي تضرب به الأمثال في جميع الأعصار بل ليتحرج أن
يطلب إلى ربه رفع البلاء عنه فيدع الأمر كله إليه اطمئنانًا إلى علمه
بالحال وغناه عن السؤال.
وفي اللحظة التي توجه فيها أيوب إلى ربه ﺑﻬذه الثقة وبذلك
الأدب كانت الاستجابة، وكانت الرحمة، وكانت ﻧﻬاية الابتلاء :
٨٤- ١) الأنبياء: ٨٣ )
٢٨ صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء
َفاسْتَجَبْنَا َلهُ َف َ كشَْ فنَا مَا ِبهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ َأهَْلهُ وَمِْثَلهُمْ
.(١) مَعَهُمْ
رفع عنه الضر في بدنه فإذا هو معافى صحيح.
ورفع عنه الضر في أهله فعوضه عمن فقد منهم، ورزقه مثلهم.
وقيل هم أبناؤه فوهب الله له مثلهم.
أو أنه وهب له أبناء وأحفادًا.
"رحمة من عندنا" فكل نعمة هي رحمة من عند الله ومنة .
"وذكرى للعابدين" تذكرهم بالله وبلائه، ورحمته في البلاء وبعد
البلاء، وإن في بلاء أيوب لمث ً لا للبشرية كلها، وإن في صبر أيوب
لعبرة للبشرية كلها. وإنه لأفق للصبر والأدب وحسن العاقبة تتطلع
إليه الأبصار.
وإشارة "للعابدين" بمناسبة البلاء إشارة لها مغزاها. فالعابدون
معرضون للابتلاء والبلاء. وتلك تكاليف العبادة وتكاليف العقيدة
وتكاليف الإيمان. والأمر جد لا لعب. والعقيدة أمانة لا تسلم إلا
للأمناء القادرين عليها، المستعدين لتكاليفها وليست كلمة تقولها
الشفاه، ولا دعوى يدعيها من يشاء. ولابد من الصبر ليجتاز
العابدون البلاء..)
وﺑﻬذا النموذج من أقوال العلماء يتضح ما نقول بعد أن أكدناه
بنصوص القرآن والسنة وأقوال العلماء ولم يبق إلا إيراد النصوص
. ١) الأنبياء: ٨٤ )
صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء ٢٩
القرآنية التي اعتمدنا عليها في تناوله مرتبة حسب ترتيب المصحف
الشريف لتكون خاتمة هذا المبحث.
رَبَّنَا وَابْعَ ْ ث فِي ِ همْ رَسُوًلا مِنْهُمْ يَتُْلو عََليْ ِ همْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ
اْلكِتَابَ وَالْحِكْمََة وَيُزَكِّي ِ همْ ِإنَّكَ َأنْتَ الْعَ ِ زيزُ الْحَكِيم
.[ [البقرة: ١٢٩
وََلمَّا بَرَزُوا لِجَاُلوتَ وَجُنُودِهِ َقاُلوا رَبَّنَا َأْف ِ ر ْ غ عََليْنَا صَبْرًا
.[ البقرة: ٢٥٠ ] وََثبِّتْ َأقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عََلى الَْقوِْم الْ َ كافِرِينَ
ِإ ْ ذ قَاَلتِ امْرََأةُ عِمْرَا َ ن رَبِّ ِإنِّي نَ َ ذرْتُ َلكَ مَا فِي بَطِْني
مُحَرَّرًا َفتََقبَّلْ مِنِّي ِإنَّكَ َأنْتَ السَّمِيعُ اْلعَلِيمُ * َفَلمَّا وَضَعَتْهَا َقاَلتْ
رَبِّ ِإنِّي وَضَعْتُهَا ُأنَْثى وَاللَّهُ َأعَْلمُ ِبمَا وَضَعَتْ وََليْسَ الذَّ َ كرُ
َ كاْلُأنَْثى وَِإنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَِإنِّي ُأعِي ُ ذهَا ِبكَ وَ ُ ذرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْ َ طانِ
.[٣٦- آل عمران: ٣٥ ] الرَّجِي ِ م
َفتََقبََّلهَا رَبُّهَا ِبقَبُو ٍ ل حَسَ ٍ ن وََأنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَ َ كفََّلهَا زَ َ ك ِ ريَّا
ُ كلَّمَا دَخَ َ ل عََليْهَا زَ َ ك ِ ريَّا اْلمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا ِ رزًْقا قَا َ ل يَا مَرْيَمُ
َأنَّى َلكِ هَ َ ذا َقاَلتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ِإنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ ِبغَيِْ ر
.[ آل عمران: ٣٧ ] . حِسَا ٍ ب
هُنَالِكَ دَعَا زَ َ ك ِ ريَّا رَبَّهُ قَا َ ل رَبِّ هَبْ لِي مِنْ َلدُنْكَ ذُرِّيًَّة
.[ آل عمران: ٣٨ ] َ طيِّبًَة ِإنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ
فَنَادَتْهُ الْمَلَائِ َ كةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَا ِ ب َأنَّ اللَّهَ
يُبَشِّرُكَ ِبيَحْيَى مُصَدًِّقا ِب َ كلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَِبيا مِنَ
.[ آل عمران: ٣٩ ] الصَّالِحِينَ
٣٠ صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء
وَمَا كَا َ ن َقوَْلهُمْ ِإلَّا َأ ْ ن َقاُلوا رَبَّنَا ا ْ غفِرْ َلنَا ُ ذنُوبَنَا وَِإسْرَاَفنَا
آل ] فِي َأمْ ِ رنَا وََثبِّتْ َأقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عََلى الْقَوِْم اْل َ كافِ ِ رينَ
.[ عمران: ١٤٧
فَآَتَاهُمُ اللَّهُ َثوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ َثوَا ِ ب الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ
.[ آل عمران: ١٤٨ ] الْمُحْسِِنينَ
الَّذِينَ يَ ْ ذ ُ كرُو َ ن اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعََلى جُنُوِب ِ همْ وَيَتََفكَّرُو َ ن
فِي خَلْ ِ ق السَّمَاوَاتِ وَالَْأرْ ِ ض رَبَّنَا مَا خََلقْتَ هَ َ ذا بَاطًِلا سُبْحَانَكَ
.[ آل عمران: ١٩١ ] َفقِنَا عَذَابَ النَّا ِ ر
رَبَّنَا ِإنَّكَ مَنْ تُدْخِ ِ ل النَّارَ َفَقدْ َأخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ
.[ آل عمران: ١٩٢ ] َأنْصَا ٍ ر
رَبَّنَا ِإنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِْلِإيمَانِ َأ ْ ن آَمِنُوا ِبرَبِّكُمْ َفآَمَنَّا
رَبَّنَا فَاغْفِرْ َلنَا ُ ذنُوبَنَا وَ َ كفِّرْ عَنَّا سَيَِّئاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ اْلَأبْرَا ِ ر
.[ [آل عمران: ١٩٣
رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عََلى رُسُلِكَ وََلا تُخْ ِ زنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ِإنَّكَ
.[ آل عمران: ١٩٤ ] َلا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ
َفاسْتَجَابَ َلهُمْ رَبُّهُمْ َأنِّي َلا ُأضِيعُ عَمَ َ ل عَامِ ٍ ل مِنْ ُ كمْ مِنْ
َ ذ َ ك ٍ ر َأوْ ُأنَْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْ ٍ ض َفالَّذِينَ هَاجَرُوا وَُأخْ ِ رجُوا مِنْ
دِيَا ِ رهِمْ وَُأو ُ ذوا فِي سَِبيلِي وََقاتَُلوا وَقُتِلُوا َلأُ َ كفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِ ِ همْ
وََلأُدْخَِلنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْ ِ ري مِنْ تَحْتِهَا اْلَأنْهَارُ َثوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
.[ آل عمران: ١٩٥ ] وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَا ِ ب
صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء ٣١
وَِإ َ ذا سَمِعُوا مَا أُنْ ِ ز َ ل ِإَلى الرَّسُو ِ ل تَرَى َأعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ
الدَّمْ ِ ع مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُوُلو َ ن رَبَّنَا آَمَنَّا َفا ْ كتُبْنَا مَعَ
.[ المائدة: ٨٣ ] الشَّاهِدِينَ
وَمَا َلنَا َلا نُؤْمِنُ ِباللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ َأ ْ ن يُدْخَِلنَا
.[ المائدة: ٨٤ ] رَبُّنَا مَعَ الَْقوِْم الصَّالِحِينَ
فَأََثابَهُمُ اللَّهُ ِبمَا قَاُلوا جَنَّاتٍ تَجْ ِ ري مِنْ تَحْتِهَا الَْأنْهَارُ
.[ المائدة: ٨٥ ] خَالِدِينَ فِيهَا وَ َ ذلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِِنينَ
قَا َ ل عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا َأنْ ِ ز ْ ل عََليْنَا مَائِدًَة مِنَ
السَّمَاءِ تَكُو ُ ن َلنَا عِيدًا لَِأوَّلِنَا وَآَخِ ِ رنَا وَآَيًَة مِنْكَ وَارْزُْقنَا وََأنْتَ
.[ المائدة: ١١٤ ] خَيرُ الرَّاِ زقِينَ
قَا َ ل اللَّهُ ِإنِّي مُنَزُِّلهَا عََليْ ُ كمْ َفمَنْ يَ ْ كُفرْ بَعْدُ مِنْ ُ كمْ َفِإنِّي
.[ المائدة: ١١٥ ] أُعَذِّبُهُ عَ َ ذابًا َلا أُعَذِّبُهُ َأحَدًا مِنَ الْعَاَلمِينَ
َقاَلا رَبَّنَا َ ظَلمْنَا َأنُْفسَنَا وَِإنْ َلمْ تَغْفِرْ َلنَا وَتَرْحَمْنَا َلنَكُونَنَّ مِنَ
.[ الأعراف: ٢٣ ] الْخَاسِرِينَ
ِإ ْ ذ تَسْتَغِيُثو َ ن رَبَّ ُ كمْ َفاسْتَجَابَ َل ُ كمْ َأنِّي مُمِدُّكُمْ ِبَألْفٍ مِنَ
.[ الأنفال: ٩ ] الْمَلَائِ َ كةِ مُرْدِفِينَ
وَعََلى الثََّلاَثةِ الَّذِينَ خُلُِّفوا حَتَّى ِإ َ ذا ضَاَقتْ عََليْ ِ همُ الَْأرْضُ
ِبمَا رَحُبَتْ وَضَاَقتْ عََليْ ِ همْ َأنْفُسُهُمْ وَ َ ظنُّوا َأ ْ ن َلا مَلْجََأ مِنَ اللَّهِ ِإلَّا
ِإَليْهِ ُثمَّ تَابَ عََليْ ِ همْ لِيَتُوبُوا ِإنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
.[ [التوبة: ١١٨
٣٢ صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء
وَقَا َ ل مُوسَى رَبَّنَا ِإنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْ َ ن وَمََلَأهُ زِينًَة وََأمْوَاًلا فِي
اْلحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا ا ْ طمِسْ عََلى َأمْوَالِ ِ همْ
وَاشْدُدْ عََلى ُقُلوِب ِ همْ َفَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا ا ْلعَذَابَ اْلَألِيمَ
.[ [يونس: ٨٨
قَا َ ل رَبِّ السِّجْنُ َأحَبُّ ِإَليَّ مِمَّا يَدْعُونَِني ِإَليْهِ وَِإلَّا تَصِْ رفْ
.[ يوسف: ٣٣ ] عَنِّي َ كيْدَهُنَّ َأصْبُ ِإَليْ ِ هنَّ وََأكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ
َفاسْتَجَابَ َلهُ رَبُّهُ َفصَرَفَ عَنْهُ َ كيْدَهُنَّ ِإنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
.[ يوسف: ٣٤ ] اْلعَلِيمُ
ِإ ْ ذ َأوَى الْفِتْيَةُ ِإَلى الْ َ كهْفِ َفَقاُلوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ َلدُنْكَ رَحْمًَة
.[ الكهف: ١٠ ] وَهَيِّئْ َلنَا مِنْ َأمْ ِ رنَا رَشَدًا
َفَأجَاءَهَا الْمَخَاضُ ِإَلى ِ جذْ ِ ع النَّخَْلةِ َقاَلتْ يَا َليْتَِني مِتُّ َقبْ َ ل
.[ مريم: ٢٣ ] هَ َ ذا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيا
َفنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا َألَّا تَحْزَِني َقدْ جَعَ َ ل رَبُّكِ تَحْتَكِ سَِ ري ا
.[ [مريم: ٢٤
.[ طه: ٢٥ ] قَا َ ل رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْ ِ ري
[ طه: ٣٦ ] قَا َ ل َقدْ ُأوتِيتَ سُؤَْلكَ يَا مُوسَى
وَنُوحًا ِإ ْ ذ نَادَى مِنْ َقبْلُ َفاسْتَجَبْنَا َلهُ َفنَجَّيْنَاهُ وََأهَْلهُ مِنَ
.[ الأنبياء: ٧٦ ] الْ َ كرْ ِ ب اْلعَظِي ِ م
وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الَْقوِْم الَّذِينَ َ كذَّبُوا ِبآَيَاتِنَا ِإنَّهُمْ َ كانُوا َقوْمَ سَوْءٍ
.[ الأنبياء: ٧٧ ] َفَأ ْ غرَْقنَاهُمْ َأجْمَعِينَ
صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء ٣٣
وََأيُّوبَ ِإ ْ ذ نَادَى رَبَّهُ َأنِّي مَسَِّنيَ الضُّرُّ وََأنْتَ َأرْحَمُ
.[ الأنبياء: ٨٣ ] الرَّاحِمِينَ
َفاسْتَجَبْنَا َلهُ َف َ كشَْ فنَا مَا ِبهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ َأهَْلهُ وَمِْثَلهُمْ
.[ الأنبياء: ٨٤ ] مَعَهُمْ رَحْمًَة مِنْ عِنْدِنَا وَذِ ْ كرَى لِلْعَاِبدِينَ
وَ َ ذا النُّونِ ِإ ْ ذ َ ذهَبَ مُغَاضِبًا َف َ ظنَّ َأ ْ ن َلنْ نَقْدِرَ عََليْهِ َفنَادَى
فِي الظُُّلمَاتِ َأ ْ ن َلا ِإَلهَ ِإلَّا َأنْتَ سُبْحَانَكَ ِإنِّي ُ كنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ
.[ [الأنبياء: ٨٧
َفاسْتَجَبْنَا َلهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَ َ ك َ ذلِكَ نُنْ ِ جي الْمُؤْمِِن ينَ
.[ [الأنبياء: ٨٨
وَزَ َ ك ِ ريَّا ِإ ْ ذ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ َلا تَ َ ذرِْني َفرْدًا وََأنْتَ خَيْرُ
[ الأنبياء: ٨٩ ] الْوَاِ رثِينَ
َفاسْتَجَبْنَا َلهُ وَوَهَبْنَا َلهُ يَحْيَى وََأصَْلحْنَا َلهُ زَوْجَهُ ِإنَّهُمْ َ كانُوا
يُسَارِعُو َ ن فِي اْلخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَ َ غبًا وَرَهَبًا وَ َ كانُوا َلنَا خَاشِعِينَ
.[ [الأنبياء: ٩٠
.[ الشعراء: ١٦٩ ] رَبِّ نَجِِّني وََأهْلِي مِمَّا يَعْمَُلو َ ن
.[ الشعراء: ١٧٠ ] َفنَجَّيْنَاهُ وََأهَْلهُ َأجْمَعِينَ
قَا َ ل رَبِّ ِإنِّي َ ظَلمْتُ نَ ْ فسِي َفا ْ غفِرْ لِي َفغََفرَ َلهُ ِإنَّهُ هُوَ
.[ القصص: ١٦ ] اْلغَُفورُ الرَّحِيمُ
َفسََقى َلهُمَا ُثمَّ تَوَلَّى ِإَلى الظِّلِّ فَقَا َ ل رَبِّ ِإنِّي لِمَا َأنْزَْلتَ
.[ القصص: ٢٤ ] ِإَليَّ مِنْ خَيْ ٍ ر َفقِيرٌ
٣٤ صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء
َفجَاءَتْهُ ِإحْدَاهُمَا تَمْشِي عََلى اسْتِحْيَاءٍ َقاَلتْ ِإنَّ َأِبي يَدْعُوكَ
لِيَجْ ِ زيَكَ َأجْرَ مَا سََقيْتَ َلنَا َفَلمَّا جَاءَهُ وََقصَّ عََليْهِ الَْقصَصَ قَا َ ل َلا
.[ القصص: ٢٥ ] تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الَْقوِْم الظَّالِمِينَ
.[ الصافات: ٧٥ ] وََلَقدْ نَادَانَا نُوحٌ َفَلِنعْمَ اْلمُ ِ جيبُو َ ن
.[ الصافات: ٧٦ ] وَنَجَّيْنَاهُ وََأهَْلهُ مِنَ الْ َ كرْ ِ ب اْلعَظِي ِ م
.[ الصافات: ١٠٠ ] رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ
.[ الصافات: ١٠١ ] َفبَشَّرْنَاهُ ِبغُلَاٍم حَلِي ٍ م
قَا َ ل رَبِّ ا ْ غفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُْل ً كا َلا يَنْبَغِي لَِأحَدٍ مِنْ بَعْدِي
.[ ص: ٣٥ ] ِإنَّكَ َأنْتَ اْلوَهَّابُ
المقدمة
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا
وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي
له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا
عبده ورسوله ، الذي أنزل عليه القرآن هدى للناس وبينات من
الهدى والفرقان، النور المبين وحبل الله المتين، يهدي به الله من اتبع
رضوانه سبل السلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه،
ويهديهم إلى صراط مستقيم، صراط الله الذي له ما في السموات
يَا َأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَُّقوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وََلا تَمُوتُنَّ وما في الأرض
يَا َأيُّهَا النَّاسُ اتَُّقوا رَبَّكُمُ الَّذِي خََلَق ُ كمْ (١) ِإلَّا وََأنْتُمْ مُسْلِمُو َ ن
مِنْ نَفْ ٍ س وَاحِدَةٍ وَخََلقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا ِ رجَاًلا َ كثِيرًا
وَِنسَاءً وَاتَُّقوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَُلو َ ن ِبهِ وَاْلَأرْحَامَ ِإنَّ اللَّهَ كَا َ ن عََليْ ُ كمْ
يَا َأيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَُّقوا اللَّهَ وَُقوُلوا َقوًْلا سَدِيدًا * (٢) رَقِيبًا
يُصْلِحْ َل ُ كمْ َأعْمَاَل ُ كمْ وَيَغْفِرْ َل ُ كمْ ُ ذنُوبَ ُ كمْ وَمَنْ يُطِ ِ ع اللَّهَ وَرَسُوَلهُ
.(٣) َفَقدْ فَازَ َفوْزًا عَظِيمًا
أما بعد فإنه في ظل معايشة كتاب الله معايشة كاملة ، وفي أناة
وتدبر عميقين ، وفي ظل اشتداد وطأة الحياة على الناس ، وكلفي
الشديد بالبحث عما به تخف معاناة الناس، ويتحول ما ﺑﻬم من غم
.[ ١) آل عمران، الآية: [ ١٠٢ )
.[ ٢) سورة النساء، الآية: [ ١ )
.٧١- ٣) الأحزاب: ٧٠ )
٦ صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء
وهم إلى فرح وسرور وﺑﻬجة وحبور ، فقد وجدتني مدفوعًا إلى
الوقوف طوي ً لا أمام ما يحدث في حياة الناس من ابتلاءات شتى ،
ومصائب جمة عديدة ومتنوعة ، معنوية كانت أم مادية ، تعرض من
تصيبه لكروب عظيمة وضروب من الضيق قليل من يصمد أمامها ،
أبرز معالمها في الجانب المعنوي غربة الدين ، وغربة الصالحين ،
وهجمة الأعداء على المؤمنين ، وتغير معالم الحياة اليومية في بلدان
المسلمين حتى كثر القائلون بأن باطن الأرض اليوم خير من ظهرها
َأِ زَفتِ الْآَ ِ زَفةُ * َليْسَ َلهَا مِنْ : ، بل إن البعض يكرر قول الله تعالى
(١) دُونِ اللَّهِ كَاشَِفةٌ
أما في الجانب المادي ، فشيوع الفزع والهلع من المصائب
المادية التي بدأت تعصف بالناس كاﻧﻬيارات الأسواق المالية في بلدان
المسلمين الذين لم يكن لهم سابق عهد ﺑﻬا، وما نتج عن ذلك من
إصابات في الناس أفرزت ضروبَا من التصرفات لا تكاد تصدر إلا
عن غير الأسوياء ، وكلا الأمرين في نظري محتاج إلى وصفة طبية
تكون بإذن الله بلسمًا شافيا تعيد إلى النفوس عافيتها وصحتها
وطمأنينتها ، فتذكرت حينئذ أنه لابد أن يكون في كتاب الله ما به
تزول الغمة وتكشف الكربة ، فطفقت أعيد التأمل في نصوص
القرآن العظيم علِّي أجد ما به تقر عيني ويهدأ خاطري ويزول
روعي من هول ما أرى من حولي وشدة انصراف معظم الناس عن
َقدْ جَاءَ ُ كمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ النور العظيم الذي منَّ الله عليهم به
.٥٨- ١) النجم ٥٧ )
صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء ٧
وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي ِبهِ اللَّهُ مَ ِ ن اتَّبَعَ ِ رضْوَانَهُ سُبُ َ ل السََّلاِم
وَيُخْ ِ رجُهُمْ مِنَ الظُُّلمَاتِ ِإَلى النُّو ِ ر ِبِإذِْنهِ وَيَهْدِي ِ همْ ِإَلى صِرَاطٍ
١) فتملكني العجب مما وجدت من نصوص كريمة عديدة ) مُسْتَقِي ٍ م
تقدم حلو ً لا شافية لكل ما يعانيه البشر من نوائب وصروف وشدائد
وكروب، وتملكني الغضب والاندهاش من انصراف الناس عن هذا
وَقَا َ ل الرَّسُو ُ ل يَا رَبِّ ِإنَّ َقوْمِي ، الكنز المعرفي العظيم وصدق الله
وَِإنَّهُ ٢) مع أنه عزهم وفخرهم ) اتَّخَ ُ ذوا هَ َ ذا الْقُرْآَ َ ن مَهْجُورًا
[ الزخرف: ٤٤ ] َلذِكْرٌ َلكَ وَلَِقوْمِكَ
قد يقول قائل هذا الذي تقول لا يعدو أن يكون من العموميات
التي لا يسندها تفصيل في القضية التي شغلت بالك وملكت عليك
نفسك ، فأقول لأخي لا تعجل فإن ما سأسرده عليك من نصوص
تكشف عن السر العظيم الذي عثرت عليه ، والعلم الرفيع الذي
وصلت إليه سيجعلك بإذن الله أكثر تحمسًا مني ، وأشدَّ اندفاع ا
لكتاب الله بحثا عن حل لكل معضلة ، أو جوابا لسؤال استعصى
عليك الإجابة عنه ، أو صوابًا في حكم ، أو سداد في قول ، أو كما ً لا
في خلق ، أو حكمة في رأي أو غير ذلك مما يعرض لك في الحياة.
وإني متناول لموضوع هذا الكتيب الصغير الذي أسميته " صدق
اللجأ إلى الله وأثره في إجابة الدعاء " في مباحث ثلاثة بعد المقدمة
هي:
.١٦- ١) سورة المائدة الآيات ١٥ )
.( ٢) الفرقان ( ٣٠ )
٨ صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء
المبحث الأول: مكانة الدعاء من العبادة.
المبحث الثاني: دعاء الأنبياء والصالحين واستجابة الله لهم
المبحث الثالث: دعاء المضطرين عموما وسرعة استجابة الله
لهم.
والخاتمة سائلا الله سبحانه وتعالى أن يجعله عم ً لا خالصًا متقبلا
وأن ينفع به كاتبه وقارئه إنه ولِّيُ ذلك والقادر عليه.
١٤٢٨ ه. /٣/ الرياض في الأحد ٢٧
* * *
صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء ٩
المبحث الأول: مكانة الدعاء من العبادة
في الحديث الدعاء ذو منزلة عظيمة في الدين بينها الرسول
وبه أمرنا الله جل جلاله في « الدعاء هو العبادة » الصحيح بقوله
١) وقوله جل جلاله ) وَقَا َ ل رَبُّكُمُ ادْعُوِني َأسْتَ ِ جبْ َل ُ كمْ قوله
٢) وهو ) هُوَ الْحَيُّ َلا ِإَلهَ ِإلَّا هُوَ َفادْعُوهُ مُخْلِصِينَ َلهُ الدِّي نَ
وَِإ َ ذا سََأَلكَ عِبَادِي : سبحانه اﻟﻤﺠيب للدعاء كما في قوله تعالى
.(٣) عَنِّي َفِإنِّي قَرِيبٌ ُأجِيبُ دَعْوََة الدَّا ِ ع ِإ َ ذا دَعَانِ
وحث عليه جل جلاله في ذيل الآية وبين أنه سبيل للرشاد
٤) وأخبر أنه ) َفْليَسْتَ ِ جيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا ِبي َلعَلَّهُمْ يَرْشُدُو َ ن
َأمَّنْ : سبحانه وتعالى هو وحده الذي يجيب دعوة المضطر بقوله
يُ ِ جيبُ اْلمُضْ َ طرَّ ِإ َ ذا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَُل ُ كمْ خَُلَفاءَ
.(٥) الَْأرْ ِ ض َأئَِلهٌ مَعَ اللَّهِ َقلِيلًا مَا تَ َ ذكَّرُو َ ن
وقد وصف سبحانه وتعالى الذين لا يدعونه بأﻧﻬم مستكبرون
ِإنَّ الَّذِينَ عن عبادته وأن مصيرهم النار وذلك في قوله جل جلاله
.(٦) يَسْتَ ْ كِبرُو َ ن عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُُلو َ ن جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ
. ١) سورة غافر، الآية ٦٠ )
. ٢) سورة غافر، الآية ٦٥ )
. ٣) سورة البقرة، الآية: ١٨٦ )
. ٤) سورة البقرة الآية ١٨٦ )
. ٥) سورة النمل، الآية: ٦٢ )
. ٦) سورة النمل، الآية: ٦٢ )
١٠ صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء
وهو تكملة أية الأمر بالدعاء السالفة ، وأخبر سبحانه وتعالى
أن من خصائص الرسل والأنبياء والصالحين أنه يدعونه سبحانه
وتعالى رغبًا ورهبًا ، وإًذا فأمرٌ هذا مكانته في الدين لا يعدل عنه إلا
من خذله الله ، وحرمه من أنفع الأمور في تحقيق خيري الدنيا
والآخرة.
ولما كان الدعاء ﺑﻬذه المنزلة العظيمة في الدين فإن على الداعي
أن يستنفد أسباب الاستجابة، ومن أهم تلك الأسباب وأعظمها هو
صدق اللجأ إلى الله ، وتعلق القلب به وحده دون سواه ، وهذا ما
كشفت عنه النصوص القرآنية التي توقفنا عندها في الكشف عن
هذه الحقيقة ، حيث تكرر فيها النص على الإخلاص لله في الدعاء
وَ َ ظنُّوا َأنَّهُمْ ،[ غافر: ١٤ ] َفادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ َلهُ الدِّينَ
َأمَّنْ يُ ِ جيبُ اْلمُضْ َ طرَّ (١) ُأحِي َ ط ِب ِ همْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ َلهُ الدِّينَ
وَِإ َ ذا مَسَّ اْلِإنْسَا َ ن ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُِنيبًا ِإَليْهِ ُثمَّ ِإ َ ذا (٢) ِإ َ ذا دَعَاهُ
وَِإ َ ذا مَسَّ (٣) خَوََّلهُ ِنعْمًَة مِنْهُ نَسِيَ مَا كَا َ ن يَدْعُو ِإَليْهِ مِنْ َقبْلُ
٤) فصدق اللجأ إلى الله هو لب ) النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُِنيِبينَ ِإَليْهِ
الإخلاص لله، وقمة حسن الالتجاء إليه وهو أقصر الطرق للحصول
على إجابة الدعاء.
. ١) سورة يونس الآية ٢٢ )
. ٢) سورة النمل الآية ٦٢ )
. ٣) سورة الزمر الآية ٨ )
. ٤) سورة الروم الآية ٣٣ )
صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء ١١
ونحن إذ نتناول هذا الموضوع اليوم ﺑﻬذه الكيفية إنما ن تناوله
إحسانًا على الخلق الذين يئنون هذه الأيام تحت وطأة كثير من
الرزايا والمحن والابتلاءات ، تجعل كثيرين منهم حيارى مهمومين
مغمومين ، حتى لتكاد تجزم بأن اليأس من الفرج والقنوط من
المخرج قد استولى على نفوسهم وعرضهم لإحباطات كثيرة في
الحياة وما علموا أن الله وحده بيده الفرج والمخرج وهو سبحانه
ُق ْ ل يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ َأسْرَفُوا عََلى َأنْفُسِ ِ همْ َلا تَقْنَطُوا مِنْ يدعوهم
(١) رَحْمَةِ اللَّهِ ِإنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ِإنَّهُ هُوَ اْلغَُفورُ الرَّحِيمُ
هُوَ الْحَيُّ َلا ِإَلهَ ِإلَّا ٢) ويقول ) ادْعُوِني َأسْتَ ِ جبْ َلكُمْ ويأمرهم
(٣) هُوَ َفادْعُوهُ مُخْلِصِينَ َلهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَاَلمِينَ
قَا َ ل وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ وإبراهيم عليه السلام يرد على الملائكة الكرام
٤) ويعقوب عليه السلام يقول لأبنائه وهو ) رَحْمَةِ رَبِّهِ ِإلَّا الضَّالُّو َ ن
وََلا تَيَْئسُوا مِنْ رَوْ ِ ح اللَّهِ ِإنَّهُ َلا يحثهم على البحث عن يوسف
٥) فاللجوء إلى الله في ) يَيَْئسُ مِنْ رَوْ ِ ح اللَّهِ ِإلَّا اْلَقوْمُ الْ َ كافِرُو َ ن
صدق وإخلاص إًذا هو الطريق لحل كل الأزمات والمعضلات ،
وسبب مباشر لتفريج الكربات وأنواع الضيق وشتى أنواع الهموم
والغموم ؛ لهذا رأينا بعضًا من علمائنا الأفاضل يشيرون إلى هذا
. ١) سورة الزمر، الآية ٥٣ )
. ٢)سورة غافر: الآية ٦٠ )
. ٣)سورة غافر: الآية ٦٥ )
. ٤)سورة الحجر: الآية ٥٦ )
. ٥)سورة يوسف: الآية ٨٧ )
١٢ صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء
المعنى إشارات بالغة الأهمية نورد بعضًا منها لأهميتها في إظهار هذا
المعنى وتأكيده.
هذا الشيخ عبد الرحمن الثعالبي يقول في تفسيره الجواهر
وَِإ َ ذا سََأَلكَ عِبَادِي : الحسان في تفسير القرآن تفسيرًا لقوله تعالى
.(١) عَنِّي َفِإنِّي قَرِيبٌ ُأجِيبُ دَعْوََة الدَّا ِ ع ِإ َ ذا دَعَانِ
(قال الحسن بن أبي الحسن: سببها أن قومًا قالوا للنبي صلى الله
عليه وسلم : أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه؟ فنزلت الآية
قال قوم المعنى أجيب إن شئت، وقال قوم: إن الله تعالى ُأجِيبُ و
يجيب كل الدعاء، فإما أن تظهر الإجابة في الدنيا، وإما أن يكفر
عنه، وإما أن يدخر له أجر في الآخرة، وهذا بحسب حديث الموطأ،
الحديث). «... ما من داع يدعو إلا كان بين إحدى ثلاث » وهو
وليس هذا باختلاف قول، قال ابن رشد في "البيان"(الدعاء
عبادة من العبادات يؤجر فيها الأجر العظيم، أجيبت دعوته فيما
دعا به أو لم تجب )
وها أنا أنقل إن شاء الله من (صحيح الأحاديث) في هذا المحل
ما يثلج له الصدر:
لا تعجزوا عن » : قال : قال رسول الله عن أنس
رواه الحاكم أبو عبد الله في « الدعاء فإنه لن يهلك مع الدعاء أحد
المستدرك على الصحيحين "وابن حبَّان في"صحيحه" واللفظ له،
. ١) سورة البقرة، الآية: ١٨٦ )
صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء ١٣
وقال الحاكم صحيح الإسناد.
الدعاء سلاح » : قال رسول الله وعن أبي هريرة
رواه الحاكم ،« المؤمن، وعماد الدين، ونور السموات والأرض
في "المستدرك" وقال صحيح.
قال : وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي
يدعو الله بالمؤمن يوم القيامة حتى يوقف بين يديه فيقول: عبدي »
إني أمرتك أن تدعوني ووعدتك أن أستجيب لك، فهل كنت
تدعوني؟ فيقول: نعم يارب، فيقول: أما أنك لم تدعني بدعوة إلا
استجبت لك أليس دعوتني يوم كذا وكذا لغم نزل بك أفرج
عنك فلم تر فرجّا، قال: نعم يا رب فيقول: إني ادخرت لك في
الجنة كذ وكذا كذا وكذا، ودعوتني في حاجة أقضيها لك في يوم
كذا وكذا فقضيتها، فيقول: نعم يا رب، فيقول: فإني عجلتها
لك في الدنيا، ودعوتني في يوم كذا وكذا في حاجة أقضيها لك
فلم ترَقضاءها، فيقول: نعم يا رب، فيقول: إني ادخرت لك في
فلا يدع الله دعوة دعا ﺑﻬا : الجنة كذا وكذا، قال رسول الله
عبده المؤمن إلا بيَّن له إما أن يكون عجل له في الدنيا وإما أن
يكون ادخر له في الآخرة ، قال فيقول المؤمن في ذلك المقام : يا
رواه الحاكم في "المستدرك" « ليته لم يكن عجل له شيء من دعاء
.
لا يرد القدر إلا » : قال رسول الله عن ثوبان
رواه الحاكم في "المستدرك" وابن حبان في "صحيحه " « الدعاء
١٤ صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء
واللفظ للحاكم، وقال صحيح الإسناد.
قلت وقد أخرج ابن المبارك في "رقائقه" هذا الحديث أيضًا،
قال حدثنا سفيان عن عبد الله بن قيس عن عبد الله بن أبي الجعد،
لا يرد القضاء إلا الدعاء، » : عن ثوبان قال: قال رسول الله
انتهى. « وإن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه
لا » : وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله
يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل، ومما لم ينزل، وإن
« البلاء لينزل من السماء فيتلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة
رواه الحاكم في "مستدركه" وقال صحيح الإسناد، وقوله
(فيعتلجان) أي يتصارعان.
من » : وعن سليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله
سره أن يستجاب له عند الكرب والشدائد فليكثر الدعاء في
رواه الحاكم أيضًا، وقال صحيح الإسناد. « الرخاء
: وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله
« من فتح له في الدعاء منكم فتحت له أبواب الجنة »
قال الغزالي رحمه الله في كتاب "الإحياء" فإن قلت فما فائدة
الدعاء والقضاء لا يرد؟ فاعلم أن من القضاء رد البلاء بالدعاء،
فالدعاء سبب لرد البلاء واستجلاب للرحمة، كما أن الترس سبب
لرد السهم، ثم في الدعاء من الفائدة أنه يستدعي حضور القلب مع
الله عزَّ وجلَّ، وذلك منتهى العبادات، فالدعاء يرد القلب إلى الله عزَّ
وجلَّ بالتضرع والاستكانة، فانظره فإني آثرت الاختصار، وانظر
صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء ١٥
"سلاح المؤمن" الذي منه نقلت هذه الأحاديث.
عن أبي خزامة واسمه رفاعة عن أبيه » " ومن "جامع الترمذي
فقلت : يا رسول الله أرأيت رقي قال سألت رسول الله
نسترقيها، ودواء نتداوى به، وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر الله
قال أبو عيسى هذا حديث حسن « شيئًا؟ قال : هي من قدر الله
صحيح، وانظر جواب عمر لأبي عبيدة (نعم نفرّ من قد ر الله إلى
قدر الله) الحديث هو من هذا المعنى، انتهى. والله الموفق بفضله.
وفي الدعاء ومنزلته يقول سيد قطب رحمه الله ما نصه:
َأمَّنْ يُ ِ جيبُ اْلمُضْ َ طرَّ ِإ َ ذا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَُل ُ كمْ
١) ( فيلمس ) خُلَفَاءَ الَْأرْ ِ ض َأئَِلهٌ مَعَ اللَّهِ َقلِيلًا مَ ا تَذَكَّرُو َ ن
وجداﻧﻬم وهو يذكرهم بخوالج أنفسهم، وواقع أحوالهم.
فالمضطر في لحظات الكربة والضيق لا يجد له ملجأ إلا الله
يدعوه ليكشف عنه الضر والسوء ذلك حين تضيق الحلقة، وتشتد
الخنقة، وتتخاذل القوى، وتتهاوي الأسناد، وينظر الإنسان حواليه
فيجد نفسه مجردًا من وسائل النصرة وأسباب الخلاص. لا قوته، ولا
قوة في الأرض تنجده. وكل ما كان يعده لساعة الشدة قد زاغ عنه
أو تخلى.
وكل من كان يرجوه للكربة قد تنكر له أو تولى.. في هذه
اللحظة تستيقظ الفطرة فتلجأ إلى القوة الوحيدة التي تملك الغوث
[ ١)[النمل: ٦٢ )
١٦ صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء
والنجدة، ويتجه الإنسان إلى الله ولو كان قد نسيه من قبل في
ساعات الرخاء. فهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه. هو وحده دون
سواه. يجيبه ويكشف عنه السوء، ويرده إلى الأمن والسلامة،
وينجيه من الضيقة الآخذة باُلخنَّاق.
والناس يغفلون عن هذا الحقيقة في ساعات الرخاء، وفترات
الغفلة. يغفلون عنها فيلتمسون القوة والنصرة والحماية في قوة من
قوى الأرض الهزيلة. فأما حين تلجئهم الشدة، ويضطرهم الكرب،
فتزول عن فطرﺗﻬم غشاوة الغفلة، ويرجعون إلى رﺑﻬم منيبين مهما
يكونوا من قبل غافلين أو مكابرين.
والقرآن يرد المكابرين الجاحدين إلى هذه الحقيقة الكامنة في
فطرﺗﻬم، ويسوقها لهم في مجال الحقائق الكونية التي ساقها من قبل:
حقائق خلق السموات والأرض، وإنزال الماء من السماء، وإنبات
الحدائق البهيجة، وجعل الأرض قرارًا، والجبال رواسي، وإجراء
الأﻧﻬار، والحاجز بين البحرين. فالتجاء المضطر إلى الله، واستجابة
الله له دون سواه حقيقة كهذه الحقائق هذه في الآفاق وتلك في
النفس سواء بسواء ).
وهذا صاحب كتاب (مائة دعوة مجابة) يقول في بيان أهمية
الدعاء وعوامل نجاحه ما نصه.
(أخي المسلم: هذا الكتاب الذي بين يديك يحتوي على مائة
مع ذكر الدليل دعوة مختارة من كتاب الله وسنة رسوله
الصحيح على إجابة الدعوة، وكذلك صاحب كل دعوة ولقد أمرنا
صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء ١٧
الله سبحانه وتعالى بالدعاء فهو عبادة ووعدنا بالإجابة وليس بينهما
شرط..
ولا يمنعن أحد من الدعاء فإن الله قد أجاب دعاء شر الخلق
إبليس عليه لعائن الله. وإن للدعاء أركانًا وأجنحة وأسبابًا وأوقاتًا
فإن وافق أركانه قوى وإن وافق أجنحته طار في السماء وإن وافق
مواقيته فاز وإن وافق أسبابه ُأنجح.
فأركانه حضور القلب والرأفة والاستكانة والخشوع، وأجنحته
الصدق ، ومواقيته الأسحار ووقت الفطر وما بين الأذان والإقامة
وغيرها من المواقيت التي حددها الذي لا (ينطق عن الهوى) محمد
.( ومن أهم أسبابه الصلاة على نبينا محمد
ويقول صاحب كتاب " رد البلاء بالدعاء " في بيان أهمية
الدعاء ما نصه:
(لقد ابتلى الله الناس منذ بدء الخليفة، وابتلى الأنبياء وأولى
العزم من الرسل - عليهم الصلاة والسلام - وكان الله يستجيب
دعواﺗﻬم وينجيهم من المحن والضيق.
ونحن العباد الضعفاء نرجو رحمته ونخشى عذابه. ودرجه الإيمان
والصبر تختلف من شخص إلى آخر وما لنا إلا أن نتوجه إلى الله
العفو الغفور اﻟﻤﺠيب للدعوات بأكف الضراعة ليستجيب دعواتنا.
والحكمة من الابتلاء أن يُعلم الصادق من الكاذب والمؤمن من
المنافق ولو كان الأمر كله رخاءً ويسرًا لادّعى ك ُ ل مدّع أنه صادق
في دعواه.
١٨ صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء
قال بعضهم: فائدة الدعاء إظهار الفاقة بين يدي الله تعلى، وإلا
فالرب يفعل ما يشاء.
ُق ْ ل يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ : والله يغفر الذنوب جميعًا، قال تعالى
َأسْرَفُوا عََلى َأنْفُسِ ِ همْ َلا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ِإنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ
(١) الذُّنُوبَ جَمِيعًا ِإنَّهُ هُوَ اْلغَُفورُ الرَّحِيمُ
فالثقة برحمة الله وفرجه في رأفته، وفي عدالته، وفي لطفه، وفي
عنايته بالمؤمن ورعايته له. إنه يتولى برحمته من حقق العبودية،
وأفعاله سبحانه حميدة دائمًا لأنه حميد مجيد.
المؤمنون يلجؤون إلى الله دائما بالدعاء والتضرع فيستجيب الله
لهم كلما أخلصوا عملهم لوجهه، حسب أحوالهم وحكمته. قال
.(٢) ِإ ْ ذ تَسْتَغِيُثو َ ن رَبَّ ُ كمْ : الله تعالى
والله الرحيم هو الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه، ويكشف
السوء والله سبحانه وتعالى رحيم رؤوف بالإنسان، وحتى يستجيب
الله دعاءنا لابد من المأكل الحلال، والمشرب الحلال ، والملبس
الحلال، والله يتقبل من المتقين. لأنه طيب لا يقبل إلا طيبًا).
ومن ذلك ما جاء في " ﺗﻬذيب ابن كثير " ما نصه:
َأمَّنْ يُ ِ جيبُ اْلمُضْ َ طرَّ ِإ َ ذا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَُل ُ كمْ
١)سورة الزمر: الآية ٥٣ )
. ٢) سورة الأنفال، الآية ٩ )
صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء ١٩
.(١) خُلَفَاءَ الَْأرْ ِ ض َأئَِلهٌ مَعَ اللَّهِ َقلِيلًا مَا تَ َ ذكَّرُو َ ن
ينبه تعالى أنه هو المدعو عند الشدائد، المرجو عند النوازل،
وَِإ َ ذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْ ِ ر ضَلَّ مَنْ تَدْعُو َ ن ِإلَّا : كما قال تعالى
(٣) ُثمَّ ِإ َ ذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ َفِإَليْهِ تَجَْأرُو َ ن (٢) ِإيَّاهُ
.(٤) َأمَّنْ يُ ِ جيبُ اْلمُضْ َ طرَّ ِإ َ ذا دَعَاهُ وهكذا قال هاهنا
أي: من هو الذي لا يلجأ المضطر إلا إليه والذي لا يكشف
ضر المضرورين سواه.
٥): عن رجل من بلهجيم، قال : ) ( روى الإمام أحمد ( ١٥
أدعو إلى الله وحده، الذي » : قلت: يا رسول الله، إلام تدعو؟ قال
إن مَسّك ضر فدعوته كشف عنك، والذي إن أضَْللْتَ بأرض
َق ْ فر فدعوتَه رَدّ عليك، والذي إن أصابتك سَنة فدعوته أنبت
لك، قال: قلت: أوصني؟، قال: لا تسبنّ أحدًا ، ولا تَزْهَدَنَّ في
المعروف، ولو أن تلقى أخاك وأنت منبسطٌ إليه وجهك، ولو أن
تُفر ِ غ من دَلوك في إناء المستقي، واترز إلى نصف الساق، فإن
أبيت فإلى الكعبين. وإياك وإسبال الإزار، فإن إسبال الإزار من
.« المخيلة، وإن الله - تبارك وتعالى – لا يحب المخيلة
. ١) سورة النمل، الآية: ٦٢ )
. ٢)سورة الإسراء: الآية ٦٧ )
. ٣)سورة النحل: الآية ٥٣ )
. ٤) سورة النمل، الآية: ٦٢ )
٢٠٦٩٣ ). وانظر الحديث التالي. /٦٤/ ٥) المسند ( ٥ )
٢٠ صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء
ففي ما تقدم بيان شاف لمكانة الدعاء في الدين ومنزلته العظيمة
فيه. وتوضيح كامل لمدى أثره في حياة المسلم وتأكيد قاطع على أن
من أقوم السبل لإجابته صدق اللجأ إلى الله سبحانه وتعالى، وحسن
الاستجابة إليه ، والرغبة فيما عنده ، والرهبة من بطشه وشديد
عقابه ، نسأل الله بمنه وجوده وكرمه أن يجعلنا ممن يدعونه رغبًا
و ر هبًا وممن كانوا له خاشعين.
* * *
صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء ٢١
المبحث الثاني:
دعاء الأنبياء والصالحين واستجابة الله لهم
اللَّهُ يَصْ َ طفِي مِنَ رسل الله وأنبياؤه هم صفوة الله من خلقه
١) وهم أعرف ) الْمَلَائِ َ كةِ رُسًُلا وَمِنَ النَّا ِ س ِإنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ
الخلق بالله ، ومن ثم فهم أشد الناس خشية له. وأكثرهم تضرعًا إليه
ِإنَّهُمْ َ كانُوا يُسَارِعُو َ ن فِي اْلخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَ َ غبًا وَرَهَبًا وَ َ كانُوا
يبتلى » ٢) وهم أكثر الناس ابتلاء لأﻧﻬم أمثل الناس ) َلنَا خَاشِعِينَ
ومعظم ابتلاءاﺗﻬم كانت في سبيل إبلاغ « المرء على قدر دينه
رسالات رﺑﻬم للناس ، وجهادهم في سبيله بالجنان واللسان والسنان
، ولشدة صلتهم برﺑﻬم كانوا أكثر الناس تضرعًا إليه، وأطهر الناس
قلوبا وأزكاهم نفوسًا، ومن ثم رأينا كثرة دعائهم لرﺑﻬم ورأينا
سرعة استجابته لدعائهم في نصوص قرآنية كثيرة نسوق نماذج منها
كما وردت بصيغة السؤال والجواب.
وأولهم أبونا أدم عليه السلام حينما أكل من الشجرة بوسوسة
وَنَادَاهُمَا إبليس عليه لعائن الله فلجأ إلى ربه مستغيثا به من عدوه
رَبُّهُمَا َأَلمْ َأنْهَ ُ كمَا عَنْ تِْل ُ كمَا الشَّجَرَةِ وََأقُلْ َلكُمَا ِإنَّ الشَّيْ َ طا َ ن
َقاَلا رَبَّنَا َ ظَلمْنَا َأنُْفسَنَا وَِإنْ َلمْ تَغْفِرْ َلنَا (٣) َل ُ كمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ
. ١) الحج: ٧٥ )
. ٢) الأنبياء: ٩٠ )
. ٣) الأعراف: ٢٢ )
٢٢ صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء
َفتََلقَّى ١). فكانت توبة الله عليه ) وَتَرْحَمْنَا َلنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ
. آَدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عََليْهِ ِإنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ َفغَوَى * ُثمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ َفتَابَ عََليْهِ
.(٢) وَهَدَى
َفدَعَا رَبَّهُ وهذا نوح أول رسل الله إلى الأرض يستغيث بربه
َأنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * َفَفتَحْنَا َأبْوَابَ السَّمَاءِ ِبمَاءٍ مُنْهَمٍِ ر *
(٣) وََفجَّرْنَا الَْأرْضَ عُيُونًا فَالْتََقى الْمَاءُ عََلى َأمْ ٍ ر َقدْ قُدِرَ
وهذا أبو الأنبياء خليل الله إبراهيم عليه السلام يفزع إلى ربه
. (٤) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ * َفبَشَّرْنَاهُ ِبغُلَاٍم حَلِي ٍ م
وهذا موسى كليم الله عليه السلام يسجل القرآن كثرة دعائه
قَا َ ل رَبِّ ِإنِّي َ ظَلمْتُ نَ ْ فسِي َفا ْ غفِرْ ربه واستجابته جل جلاله إليه
رَبِّ ِإنِّي لِمَا َأنْزَلْتَ ِإَليَّ (٥) لِي َفغََفرَ َلهُ ِإنَّهُ هُوَ اْلغَُفورُ الرَّحِيمُ
َفجَاءَتْهُ ِإحْدَاهُمَا تَمْشِي عََلى اسْتِحْيَاءٍ َقاَلتْ (٦) مِنْ خَيْ ٍ ر َفقِيرٌ
قَا َ ل رَبِّ اشْرَحْ (٧) ِإنَّ َأِبي يَدْعُوكَ لِيَجْ ِ زيَكَ َأجْرَ مَا سََقيْتَ َلنَا
١)الأعراف : ٢٣ )
.١٢٢- ٢) طه: ١٢١ )
.١٢- ٣) سورة القمر: ١٠ )
.١٠١- ٤) الصافات: ١٠٠ )
. ٥) القصص: ١٦ )
. ٦) القصص: ٢٤ )
. ٧) القصص: ٢٥ )
صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء ٢٣
لِي صَدْ ِ ري * وَيَسِّرْ لِي َأمْ ِ ري * وَاحُْل ْ ل عُقْدًَة مِنْ لِسَاِني * يَفَْقهُوا
َقوْلِي * وَاجْعَ ْ ل لِي وَ ِ زيرًا مِنْ َأهْلِي * هَارُو َ ن َأخِي * اشْدُدْ ِبهِ
َأزْ ِ ري * وََأشْ ِ ركْهُ فِي َأمْ ِ ري * َ كيْ نُسَبِّحَكَ َ كثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ
َ كثِيرًا * ِإنَّكَ كُنْتَ ِبنَا بَصِيرًا * قَا َ ل َقدْ ُأوتِيتَ سُؤَْلكَ يَا
١) ويدعو هو وهارون عليهما السلام على فرعون وملئه ) مُوسَى
وَقَا َ ل مُوسَى رَبَّنَا ِإنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْ َ ن وَمََل َأهُ ِ زينًَة فيجيبه الله
وََأمْوَاًلا فِي اْلحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا ا ْ طمِسْ عََلى
َأمْوَالِ ِ همْ وَاشْدُدْ عََلى ُقُلوِب ِ همْ َفَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا اْلعَ َ ذابَ اْلَألِيمَ
* قَا َ ل َقدْ ُأ ِ جيبَتْ دَعْوَتُ ُ كمَا فَاسْتَقِيمَا وََلا تَتَِّبعَانِّ سَِبي َ ل الَّذِينَ َلا
.(٢) يَعْلَمُو َ ن
قَا َ ل رَبِّ اغْفِرْ لِي وهذا سليمان عليه السلام يدعو ربه
وَهَبْ لِي مُْل ً كا َلا يَنْبَغِي لَِأحَدٍ مِنْ بَعْدِي ِإنَّكَ َأنْتَ الْوَهَّابُ *
َفسَخَّرْنَا َلهُ الرِّيحَ تَجْ ِ ري ِبَأمْ ِ رهِ رُخَاءً حَيْثُ َأصَابَ * وَالشَّيَاطِينَ
كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّا ٍ ص * وَآَخَرِينَ مَُقرَِّنينَ فِي اْلَأصَْفادِ * هَ َ ذا عَ َ طاؤُنَا
٣) وهذا أيوب وذو النون وزكريا ) َفامْنُنْ َأوْ َأمْسِكْ ِبغَيْ ِ ر حِسَا ٍ ب
وََأيُّوبَ ِإ ْ ذ نَادَى رَبَّهُ َأنِّي كل منهم يدعو فيستجيب الله دعاءه
مَسَِّنيَ الضُّرُّ وََأنْتَ َأرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * َفاسْتَجَبْنَا َلهُ َف َ كشَْ فنَا مَا ِبهِ
مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ َأهَْلهُ وَمِثَْلهُمْ مَعَهُمْ رَحْمًَة مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى
.٣٦- ١) طه: ٢٥ )
.٨٩- ٢) يونس: ٨٨ )
.٣٩- ٣) ص: ٣٥ )
٢٤ صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء
وَ َ ذا النُّونِ ِإ ْ ذ َ ذهَبَ مُغَاضِبًا َف َ ظنَّ َأ ْ ن َلنْ نَقْدِرَ عََليْهِ (١) لِلْعَاِبدِينَ
َفنَادَى فِي الظُُّلمَاتِ َأ ْ ن َلا ِإَلهَ ِإلَّا َأنْتَ سُبْحَانَكَ ِإنِّي كُنْتُ مِنَ
الظَّالِمِينَ * َفاسْتَجَبْنَا َلهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَ َ ك َ ذلِكَ نُنْ ِ جي الْمُؤْمِِنينَ
* وَزَ َ ك ِ ريَّا ِإ ْ ذ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ َلا تَ َ ذرِْني َفرْدًا وََأنْتَ خَيْرُ الْوَاِ رثِينَ *
َفاسْتَجَبْنَا َلهُ وَوَهَبْنَا َلهُ يَحْيَى وََأصَْلحْنَا َلهُ زَوْجَهُ ِإنَّهُمْ َ كانُوا
يُسَارِعُو َ ن فِي اْلخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَ َ غبًا وَرَهَبًا وَ َ كانُوا َلنَا
. (٢) خَاشِعِينَ
وهذا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل وخاتمهم يدعو
ِإ ْ ذ تَسْتَغِيُثو َ ن رَبَّ ُ كمْ َفاسْتَجَابَ َل ُ كمْ ربه يوم بدر فيستجيب الله له
٣) وهؤلاء المؤمنون ) َأنِّي مُمِدُّكُمْ ِبَألْفٍ مِنَ الْمَلَائِ َ كةِ مُرْدِفِينَ
عموما يدعون الله دعوات مباركات في آخر سورة آل عمران من
(٤) رَبَّنَا مَا خََلقْتَ هَ َ ذا بَاطًِلا سُبْحَانَكَ َفقِنَا عَذَابَ النَّا ِ ر بدء قوله
َفاسْتَجَابَ َلهُمْ رَبُّهُمْ َأنِّي َلا ُأضِيعُ عَمَ َ ل عَامِ ٍ ل إلى قوله جل جلاله
مِنْ ُ كمْ مِنْ َ ذ َ ك ٍ ر َأوْ ُأنَْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْ ٍ ض فَالَّذِينَ هَاجَرُوا
وَُأخْ ِ رجُوا مِنْ دِيَا ِ رهِمْ وَُأو ُ ذوا فِي سَِبيلِي وََقاتَُلوا وَقُتِلُوا َلأُكَفِّرَنَّ
عَنْهُمْ سَيِّئَاتِ ِ همْ وََلأُدْخَِلنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْ ِ ري مِنْ تَحْتِهَا اْلَأنْهَارُ َثوَابًا
٥) وهؤلاء المخلصون من ) مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَا ِ ب
.٨٤- ١) الأنبياء: ٨٣ )
.٩٠- ٢) الأنبياء: ٨٧ )
. ٣) الأنفال: ٩ )
. ٤) آل عمران: ١٩١ )
. ٥) آل عمران: ١٩٥ )
صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء ٢٥
بني إسرائيل عند مقابلتهم لعدوهم جالوت يدعون رﺑﻬم فيستجيبُ
وََلمَّا بَرَزُوا لِجَاُلوتَ وَجُنُودِهِ َقاُلوا رَبَّنَا َأْف ِ ر ْ غ عََليْنَا صَبْرًا الله لهم
وََثبِّتْ َأقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عََلى الَْقوِْم الْ َ كافِرِينَ * َفهَزَمُوهُمْ ِبِإذْنِ اللَّهِ
وََقتَ َ ل دَاوُودُ جَاُلوتَ وَآَتَاهُ اللَّهُ اْلمُْلكَ وَالْحِكْمََة وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ
وََلوَْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ ِببَعْ ٍ ض َلَفسَدَتِ اْلَأرْضُ وََلكِنَّ اللَّهَ
.(١) ُ ذو َفضْ ٍ ل عََلى الْعَاَلمِينَ
وأصحاب الصخرة . كما في الحديث الصحيح عندما سدت
عليهم الصخرُة الكهف وحل ﺑﻬم من الكرب ما كان فالتجؤوا
لرﺑﻬم وتوسلوا إليه بصالح أعمالهم ففرج الله عنهم (إنه كان فيمن
قبلكم...).
حَدََّثنَا إسماعيل بن خليل، أخبرنا علي بن مسهر، عن عبيد بن
عمر، عن نافع، عن ابن عمرَ- رضي الله عنهما- أن رسول الله
بينما ثلاثة نفر ممن كان قبلكم يمشون إذ أصاﺑﻬم مطرٌ، » : قال
فأووْا إلى غا ٍ ر، فانطبقَ عليهمْ، فقا َ ل بعضهمْ لبع ٍ ض: إنهُ والله يا
هؤلاءٍ َ لا ينجيكمْ إلاَّ الصدقُ، فليدعُ كلُّ رج ٍ ل منكمْ بما يعلمُ أنهُ
قدْ صدقَ فيهِ فقا َ ل واحدٌ منهمُ اللهم إنْك كنتَ تعلمُ أنه كا َ ن لي
أجيرٌ عم َ ل لي علىَ فر ٍ ق منْ أرزٍّ، فذهبَ وتركهُ، وأني عمدتُ إلى
ذلكَ الفر ِ ق فزرعتهُ، فصارَ منْ أمرهِ أني اشتريتُ منهُ بقرًا، وأنه
أتاني يطلبُ أجرهُ فقلت اعمدْ إلى تلكَ البق ِ ر. فسقهَا ، فقا َ ل لي
إنما لي عندكَ فرقٌ منْ أرزٍّ. فقلتُ لهُ اعمدْ إلى تلكَ البق ِ ر فإﻧﻬَا من
.٢٥١- ١) البقرة: ٢٥٠ )
٢٦ صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء
ذلكَ الفر ِ ق، فساقهَا ، فإ ْ ن كنتَ تعلمُ أني فعلتُ ذلكَ منْ
خشيتكَ، ففرجْ عنَّا . فانساحتْ عنهمُ الصخرُة. فقا َ ل الآخرُ
اللهمَّ إنْك كنتَ تعلمُ أنهُ كا َ ن لي أبوانِ شيخانِ كبيرانِ، فكنتُ
آتيهمَا كلَّ ليلةٍ بل ِ بن غن ٍ م لي، فأبطأتُ عليهمَا ليلًة فجئتُ وقدْ
رقدَا وأهلي وعيالي يتضاغون منَ الجو ِ ع ، فكنتُ لا أسقيهمْ حتَّى
يَشربَ أبواىَ، فكرهتُ أ ْ ن أوقظهمَا ، وكرهت أن أدعهما،
فيستكنا لشربتهما، فلم أزل أنتظر حتَّى طلع الفجرُ، فإ ْ ن كنتَ
تعلمُ أني فعلتُ ذلكَ منْ خشيتكَ، ففرجْ عنا. فانساحتْ عنهمُ
الصخرُة ، حتى نظروا إلى السماءِ. فقا َ ل الآخرُ اللهمَّ إنك كنتَ
تعلمُ أنهُ كان لي ابنُة عمِّ منْ أحبِّ النا ِ س إلىَّ ، واني راودﺗﻬا عنْ
نفسهَا فأبتْ إلاَّ أن آتيهَا بمائةِ دينا ٍ ر، فطلبتهَا حتى قدرتُ، فأتيتهَا
ﺑﻬا فدفعتُهَا إليهَا، فأمكنتني من نفسهَا، فلماَّ قعدتُ بينَ رجليهَا ،
قالتِ ات ِ ق الله ولا تفضَّ الخاتم إلاَّ بحقهِ. فقمتُ وتركتُ المائَة
دينا ٍ ر، فإ ْ ن كنتَ تعلمُ أني فعلتُ ذلكَ منْ خشيتكَ ففرج عنَّ ا.
.« ففرج الله عنهم فخرجوا
وإذا فلقد كان صدقُ اللجأ إلى الله سببًا مباشرًا في إجابة من
دعا الله سبحانه وتعالى من الأنبياء والصالحين كما هو ظاهر
النصوص التي سقنا نماذج منها استغناء ﺑﻬا عن الحصر لدلالتها على
المقصود وكفايتها فيه، فهل بعد هذا يرغب عاقل عن هذا العلاج
الناجع لكل كرب وكل هم وغم بل وكل داء دواء . وقد كان
هذا ديدن الأنبياء والمرسلين والصالحين. أقرأ ما كتبه سيد قطب
رحمه الله في قصة أيوب عليه السلام ودعائه ربه واستجابته له لما له
صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء ٢٧
من دلالة على ما نقول ونصه.
وََأيُّوبَ ِإ ْ ذ نَادَى رَبَّهُ َأنِّي مَسَِّنيَ الضُّرُّ وََأنْتَ َأرْحَمُ
الرَّاحِمِينَ * َفاسْتَجَبْنَا َلهُ َف َ كشَْ فنَا مَا ِبهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ َأهَْلهُ
(١) وَمِثَْلهُمْ مَعَهُمْ رَحْمًَة مِنْ عِنْدِنَا وَذِ ْ كرَى لِلْعَاِبدِينَ
(وقصة ابتلاء أيوب من أروع قصص الابتلاء . والنصوص
القرآنية تشير إلى مجملها دون تفصيل. وهي في هذا الموضع تعرض
دعاء أيوب واستجابة الله للدعاء. لأن السياق رحمة الله بأنبيائه،
ورعايته لهم في الابتلاء. سواء كان الابتلاء بتكذيب قومهم لهم
وإيذائهم، كما في قصص إبراهيم ولوط ونوح. أو بالنعمة في قصة
داود وسليمان. أو بالضر كما كان في حال أيوب..
وأيوب هنا في دعائه لا يزيد على وصف حاله.. "أني مسني
الضر" ووصف ربهَ بصفته" وأنت أرحم الراحمين". ثم لا يدعو بتغير
حالة صبرًا على بلائه ولا يقترح شيئا على ربه تأدبًا معه وتوقيرًا
فهو نموذج للعبد الصابر لا يضيق صدره بالبلاء ولا يتململ من
الضر الذي تضرب به الأمثال في جميع الأعصار بل ليتحرج أن
يطلب إلى ربه رفع البلاء عنه فيدع الأمر كله إليه اطمئنانًا إلى علمه
بالحال وغناه عن السؤال.
وفي اللحظة التي توجه فيها أيوب إلى ربه ﺑﻬذه الثقة وبذلك
الأدب كانت الاستجابة، وكانت الرحمة، وكانت ﻧﻬاية الابتلاء :
٨٤- ١) الأنبياء: ٨٣ )
٢٨ صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء
َفاسْتَجَبْنَا َلهُ َف َ كشَْ فنَا مَا ِبهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ َأهَْلهُ وَمِْثَلهُمْ
.(١) مَعَهُمْ
رفع عنه الضر في بدنه فإذا هو معافى صحيح.
ورفع عنه الضر في أهله فعوضه عمن فقد منهم، ورزقه مثلهم.
وقيل هم أبناؤه فوهب الله له مثلهم.
أو أنه وهب له أبناء وأحفادًا.
"رحمة من عندنا" فكل نعمة هي رحمة من عند الله ومنة .
"وذكرى للعابدين" تذكرهم بالله وبلائه، ورحمته في البلاء وبعد
البلاء، وإن في بلاء أيوب لمث ً لا للبشرية كلها، وإن في صبر أيوب
لعبرة للبشرية كلها. وإنه لأفق للصبر والأدب وحسن العاقبة تتطلع
إليه الأبصار.
وإشارة "للعابدين" بمناسبة البلاء إشارة لها مغزاها. فالعابدون
معرضون للابتلاء والبلاء. وتلك تكاليف العبادة وتكاليف العقيدة
وتكاليف الإيمان. والأمر جد لا لعب. والعقيدة أمانة لا تسلم إلا
للأمناء القادرين عليها، المستعدين لتكاليفها وليست كلمة تقولها
الشفاه، ولا دعوى يدعيها من يشاء. ولابد من الصبر ليجتاز
العابدون البلاء..)
وﺑﻬذا النموذج من أقوال العلماء يتضح ما نقول بعد أن أكدناه
بنصوص القرآن والسنة وأقوال العلماء ولم يبق إلا إيراد النصوص
. ١) الأنبياء: ٨٤ )
صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء ٢٩
القرآنية التي اعتمدنا عليها في تناوله مرتبة حسب ترتيب المصحف
الشريف لتكون خاتمة هذا المبحث.
رَبَّنَا وَابْعَ ْ ث فِي ِ همْ رَسُوًلا مِنْهُمْ يَتُْلو عََليْ ِ همْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ
اْلكِتَابَ وَالْحِكْمََة وَيُزَكِّي ِ همْ ِإنَّكَ َأنْتَ الْعَ ِ زيزُ الْحَكِيم
.[ [البقرة: ١٢٩
وََلمَّا بَرَزُوا لِجَاُلوتَ وَجُنُودِهِ َقاُلوا رَبَّنَا َأْف ِ ر ْ غ عََليْنَا صَبْرًا
.[ البقرة: ٢٥٠ ] وََثبِّتْ َأقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عََلى الَْقوِْم الْ َ كافِرِينَ
ِإ ْ ذ قَاَلتِ امْرََأةُ عِمْرَا َ ن رَبِّ ِإنِّي نَ َ ذرْتُ َلكَ مَا فِي بَطِْني
مُحَرَّرًا َفتََقبَّلْ مِنِّي ِإنَّكَ َأنْتَ السَّمِيعُ اْلعَلِيمُ * َفَلمَّا وَضَعَتْهَا َقاَلتْ
رَبِّ ِإنِّي وَضَعْتُهَا ُأنَْثى وَاللَّهُ َأعَْلمُ ِبمَا وَضَعَتْ وََليْسَ الذَّ َ كرُ
َ كاْلُأنَْثى وَِإنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَِإنِّي ُأعِي ُ ذهَا ِبكَ وَ ُ ذرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْ َ طانِ
.[٣٦- آل عمران: ٣٥ ] الرَّجِي ِ م
َفتََقبََّلهَا رَبُّهَا ِبقَبُو ٍ ل حَسَ ٍ ن وََأنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَ َ كفََّلهَا زَ َ ك ِ ريَّا
ُ كلَّمَا دَخَ َ ل عََليْهَا زَ َ ك ِ ريَّا اْلمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا ِ رزًْقا قَا َ ل يَا مَرْيَمُ
َأنَّى َلكِ هَ َ ذا َقاَلتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ِإنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ ِبغَيِْ ر
.[ آل عمران: ٣٧ ] . حِسَا ٍ ب
هُنَالِكَ دَعَا زَ َ ك ِ ريَّا رَبَّهُ قَا َ ل رَبِّ هَبْ لِي مِنْ َلدُنْكَ ذُرِّيًَّة
.[ آل عمران: ٣٨ ] َ طيِّبًَة ِإنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ
فَنَادَتْهُ الْمَلَائِ َ كةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَا ِ ب َأنَّ اللَّهَ
يُبَشِّرُكَ ِبيَحْيَى مُصَدًِّقا ِب َ كلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَِبيا مِنَ
.[ آل عمران: ٣٩ ] الصَّالِحِينَ
٣٠ صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء
وَمَا كَا َ ن َقوَْلهُمْ ِإلَّا َأ ْ ن َقاُلوا رَبَّنَا ا ْ غفِرْ َلنَا ُ ذنُوبَنَا وَِإسْرَاَفنَا
آل ] فِي َأمْ ِ رنَا وََثبِّتْ َأقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عََلى الْقَوِْم اْل َ كافِ ِ رينَ
.[ عمران: ١٤٧
فَآَتَاهُمُ اللَّهُ َثوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ َثوَا ِ ب الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ
.[ آل عمران: ١٤٨ ] الْمُحْسِِنينَ
الَّذِينَ يَ ْ ذ ُ كرُو َ ن اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعََلى جُنُوِب ِ همْ وَيَتََفكَّرُو َ ن
فِي خَلْ ِ ق السَّمَاوَاتِ وَالَْأرْ ِ ض رَبَّنَا مَا خََلقْتَ هَ َ ذا بَاطًِلا سُبْحَانَكَ
.[ آل عمران: ١٩١ ] َفقِنَا عَذَابَ النَّا ِ ر
رَبَّنَا ِإنَّكَ مَنْ تُدْخِ ِ ل النَّارَ َفَقدْ َأخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ
.[ آل عمران: ١٩٢ ] َأنْصَا ٍ ر
رَبَّنَا ِإنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِْلِإيمَانِ َأ ْ ن آَمِنُوا ِبرَبِّكُمْ َفآَمَنَّا
رَبَّنَا فَاغْفِرْ َلنَا ُ ذنُوبَنَا وَ َ كفِّرْ عَنَّا سَيَِّئاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ اْلَأبْرَا ِ ر
.[ [آل عمران: ١٩٣
رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عََلى رُسُلِكَ وََلا تُخْ ِ زنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ِإنَّكَ
.[ آل عمران: ١٩٤ ] َلا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ
َفاسْتَجَابَ َلهُمْ رَبُّهُمْ َأنِّي َلا ُأضِيعُ عَمَ َ ل عَامِ ٍ ل مِنْ ُ كمْ مِنْ
َ ذ َ ك ٍ ر َأوْ ُأنَْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْ ٍ ض َفالَّذِينَ هَاجَرُوا وَُأخْ ِ رجُوا مِنْ
دِيَا ِ رهِمْ وَُأو ُ ذوا فِي سَِبيلِي وََقاتَُلوا وَقُتِلُوا َلأُ َ كفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِ ِ همْ
وََلأُدْخَِلنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْ ِ ري مِنْ تَحْتِهَا اْلَأنْهَارُ َثوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
.[ آل عمران: ١٩٥ ] وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَا ِ ب
صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء ٣١
وَِإ َ ذا سَمِعُوا مَا أُنْ ِ ز َ ل ِإَلى الرَّسُو ِ ل تَرَى َأعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ
الدَّمْ ِ ع مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُوُلو َ ن رَبَّنَا آَمَنَّا َفا ْ كتُبْنَا مَعَ
.[ المائدة: ٨٣ ] الشَّاهِدِينَ
وَمَا َلنَا َلا نُؤْمِنُ ِباللَّهِ وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ وَنَطْمَعُ َأ ْ ن يُدْخَِلنَا
.[ المائدة: ٨٤ ] رَبُّنَا مَعَ الَْقوِْم الصَّالِحِينَ
فَأََثابَهُمُ اللَّهُ ِبمَا قَاُلوا جَنَّاتٍ تَجْ ِ ري مِنْ تَحْتِهَا الَْأنْهَارُ
.[ المائدة: ٨٥ ] خَالِدِينَ فِيهَا وَ َ ذلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِِنينَ
قَا َ ل عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا َأنْ ِ ز ْ ل عََليْنَا مَائِدًَة مِنَ
السَّمَاءِ تَكُو ُ ن َلنَا عِيدًا لَِأوَّلِنَا وَآَخِ ِ رنَا وَآَيًَة مِنْكَ وَارْزُْقنَا وََأنْتَ
.[ المائدة: ١١٤ ] خَيرُ الرَّاِ زقِينَ
قَا َ ل اللَّهُ ِإنِّي مُنَزُِّلهَا عََليْ ُ كمْ َفمَنْ يَ ْ كُفرْ بَعْدُ مِنْ ُ كمْ َفِإنِّي
.[ المائدة: ١١٥ ] أُعَذِّبُهُ عَ َ ذابًا َلا أُعَذِّبُهُ َأحَدًا مِنَ الْعَاَلمِينَ
َقاَلا رَبَّنَا َ ظَلمْنَا َأنُْفسَنَا وَِإنْ َلمْ تَغْفِرْ َلنَا وَتَرْحَمْنَا َلنَكُونَنَّ مِنَ
.[ الأعراف: ٢٣ ] الْخَاسِرِينَ
ِإ ْ ذ تَسْتَغِيُثو َ ن رَبَّ ُ كمْ َفاسْتَجَابَ َل ُ كمْ َأنِّي مُمِدُّكُمْ ِبَألْفٍ مِنَ
.[ الأنفال: ٩ ] الْمَلَائِ َ كةِ مُرْدِفِينَ
وَعََلى الثََّلاَثةِ الَّذِينَ خُلُِّفوا حَتَّى ِإ َ ذا ضَاَقتْ عََليْ ِ همُ الَْأرْضُ
ِبمَا رَحُبَتْ وَضَاَقتْ عََليْ ِ همْ َأنْفُسُهُمْ وَ َ ظنُّوا َأ ْ ن َلا مَلْجََأ مِنَ اللَّهِ ِإلَّا
ِإَليْهِ ُثمَّ تَابَ عََليْ ِ همْ لِيَتُوبُوا ِإنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ
.[ [التوبة: ١١٨
٣٢ صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء
وَقَا َ ل مُوسَى رَبَّنَا ِإنَّكَ آَتَيْتَ فِرْعَوْ َ ن وَمََلَأهُ زِينًَة وََأمْوَاًلا فِي
اْلحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا ا ْ طمِسْ عََلى َأمْوَالِ ِ همْ
وَاشْدُدْ عََلى ُقُلوِب ِ همْ َفَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا ا ْلعَذَابَ اْلَألِيمَ
.[ [يونس: ٨٨
قَا َ ل رَبِّ السِّجْنُ َأحَبُّ ِإَليَّ مِمَّا يَدْعُونَِني ِإَليْهِ وَِإلَّا تَصِْ رفْ
.[ يوسف: ٣٣ ] عَنِّي َ كيْدَهُنَّ َأصْبُ ِإَليْ ِ هنَّ وََأكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ
َفاسْتَجَابَ َلهُ رَبُّهُ َفصَرَفَ عَنْهُ َ كيْدَهُنَّ ِإنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ
.[ يوسف: ٣٤ ] اْلعَلِيمُ
ِإ ْ ذ َأوَى الْفِتْيَةُ ِإَلى الْ َ كهْفِ َفَقاُلوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ َلدُنْكَ رَحْمًَة
.[ الكهف: ١٠ ] وَهَيِّئْ َلنَا مِنْ َأمْ ِ رنَا رَشَدًا
َفَأجَاءَهَا الْمَخَاضُ ِإَلى ِ جذْ ِ ع النَّخَْلةِ َقاَلتْ يَا َليْتَِني مِتُّ َقبْ َ ل
.[ مريم: ٢٣ ] هَ َ ذا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيا
َفنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا َألَّا تَحْزَِني َقدْ جَعَ َ ل رَبُّكِ تَحْتَكِ سَِ ري ا
.[ [مريم: ٢٤
.[ طه: ٢٥ ] قَا َ ل رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْ ِ ري
[ طه: ٣٦ ] قَا َ ل َقدْ ُأوتِيتَ سُؤَْلكَ يَا مُوسَى
وَنُوحًا ِإ ْ ذ نَادَى مِنْ َقبْلُ َفاسْتَجَبْنَا َلهُ َفنَجَّيْنَاهُ وََأهَْلهُ مِنَ
.[ الأنبياء: ٧٦ ] الْ َ كرْ ِ ب اْلعَظِي ِ م
وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الَْقوِْم الَّذِينَ َ كذَّبُوا ِبآَيَاتِنَا ِإنَّهُمْ َ كانُوا َقوْمَ سَوْءٍ
.[ الأنبياء: ٧٧ ] َفَأ ْ غرَْقنَاهُمْ َأجْمَعِينَ
صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء ٣٣
وََأيُّوبَ ِإ ْ ذ نَادَى رَبَّهُ َأنِّي مَسَِّنيَ الضُّرُّ وََأنْتَ َأرْحَمُ
.[ الأنبياء: ٨٣ ] الرَّاحِمِينَ
َفاسْتَجَبْنَا َلهُ َف َ كشَْ فنَا مَا ِبهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ َأهَْلهُ وَمِْثَلهُمْ
.[ الأنبياء: ٨٤ ] مَعَهُمْ رَحْمًَة مِنْ عِنْدِنَا وَذِ ْ كرَى لِلْعَاِبدِينَ
وَ َ ذا النُّونِ ِإ ْ ذ َ ذهَبَ مُغَاضِبًا َف َ ظنَّ َأ ْ ن َلنْ نَقْدِرَ عََليْهِ َفنَادَى
فِي الظُُّلمَاتِ َأ ْ ن َلا ِإَلهَ ِإلَّا َأنْتَ سُبْحَانَكَ ِإنِّي ُ كنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ
.[ [الأنبياء: ٨٧
َفاسْتَجَبْنَا َلهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَ َ ك َ ذلِكَ نُنْ ِ جي الْمُؤْمِِن ينَ
.[ [الأنبياء: ٨٨
وَزَ َ ك ِ ريَّا ِإ ْ ذ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ َلا تَ َ ذرِْني َفرْدًا وََأنْتَ خَيْرُ
[ الأنبياء: ٨٩ ] الْوَاِ رثِينَ
َفاسْتَجَبْنَا َلهُ وَوَهَبْنَا َلهُ يَحْيَى وََأصَْلحْنَا َلهُ زَوْجَهُ ِإنَّهُمْ َ كانُوا
يُسَارِعُو َ ن فِي اْلخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَ َ غبًا وَرَهَبًا وَ َ كانُوا َلنَا خَاشِعِينَ
.[ [الأنبياء: ٩٠
.[ الشعراء: ١٦٩ ] رَبِّ نَجِِّني وََأهْلِي مِمَّا يَعْمَُلو َ ن
.[ الشعراء: ١٧٠ ] َفنَجَّيْنَاهُ وََأهَْلهُ َأجْمَعِينَ
قَا َ ل رَبِّ ِإنِّي َ ظَلمْتُ نَ ْ فسِي َفا ْ غفِرْ لِي َفغََفرَ َلهُ ِإنَّهُ هُوَ
.[ القصص: ١٦ ] اْلغَُفورُ الرَّحِيمُ
َفسََقى َلهُمَا ُثمَّ تَوَلَّى ِإَلى الظِّلِّ فَقَا َ ل رَبِّ ِإنِّي لِمَا َأنْزَْلتَ
.[ القصص: ٢٤ ] ِإَليَّ مِنْ خَيْ ٍ ر َفقِيرٌ
٣٤ صدق اللجأ إلى الله.. وأثره في إجابة الدعاء
َفجَاءَتْهُ ِإحْدَاهُمَا تَمْشِي عََلى اسْتِحْيَاءٍ َقاَلتْ ِإنَّ َأِبي يَدْعُوكَ
لِيَجْ ِ زيَكَ َأجْرَ مَا سََقيْتَ َلنَا َفَلمَّا جَاءَهُ وََقصَّ عََليْهِ الَْقصَصَ قَا َ ل َلا
.[ القصص: ٢٥ ] تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الَْقوِْم الظَّالِمِينَ
.[ الصافات: ٧٥ ] وََلَقدْ نَادَانَا نُوحٌ َفَلِنعْمَ اْلمُ ِ جيبُو َ ن
.[ الصافات: ٧٦ ] وَنَجَّيْنَاهُ وََأهَْلهُ مِنَ الْ َ كرْ ِ ب اْلعَظِي ِ م
.[ الصافات: ١٠٠ ] رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ
.[ الصافات: ١٠١ ] َفبَشَّرْنَاهُ ِبغُلَاٍم حَلِي ٍ م
قَا َ ل رَبِّ ا ْ غفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُْل ً كا َلا يَنْبَغِي لَِأحَدٍ مِنْ بَعْدِي
.[ ص: ٣٥ ] ِإنَّكَ َأنْتَ اْلوَهَّابُ