الطريق إلى الحياة ٥
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن الحياة هبة ربانية، وهبها الله سبحانه لخلقه، وجعل من
غموضها المطلق سرا ينطوي على بديع عظمته وصنعه.
وهي من حيث جنسها نعمة في حق الإنسان أي إنسان
لكنها من حيث آثارها ومعانيها يتفاوت مدلولها بين الأحياء ...
بتفاوت صفاء نفوسهم وحقيقة أفكارهم واختلاف حالاﺗﻬم...
فالحياة شرط البقاء لكنها كالإيمان في إمكانية بلوغها درجات
الكمال... وقصورها عن ذلك... بحسب الأحوال والأعمال!
فهي تكتسي حلة البهاء... ويغمرها فيض المتعة والهناء.... إذا
سقاها الإنسان بما يوجب لها الصفاء والنماء!
وليس هناك ما يوجب لها ذلك غير الفقه بحقيقتها... والسير
على المنهج السليم في بلوغ كمالها... فما هو الطريق إلى الحياة؟
حقيقة الحياة
أخي الكريم: إننا حينما نتكلم عن الحياة... فنحن حينئذ نتكلم
عن مطلق كلي.... ذهني الوجود... فلا وجود له في الخارج ...
كما لا هيئة له ولا شكل.... وإنما هو نعت نميز به الأشياء ...
فتظل حقيقة ذلك النعت وهو الحياة في أذهاننا مرتبطة
بالأشياء!
٦ الطريق إلى الحياة
فحياة النبات شيء.... وحياة الحيوان البهيمي شيء آخر....
كما أن حياة الكائنات الغيبية شيء.... وحياة الإنسان شيء آخر!
فكلها مخلوقات يطلق عليها نعت الحياة! لكن حياﺗﻬ ا... تختلف
باختلاف أنواعها وأشكالها وأصنافها!
فإذا أدركت أخي حقيقة اختلاف الحياة بين هذه
المخلوقات... رغم اشتراكها جميعا في مطلق الاتصاف بالحياة ...
فاعلم أن حياة الإنسان كذلك تختلف من إنسان إلى آخر... بحسب
العوامل والأحوال. فهي في الذهن أي ذهن حياة!
لكن حقيقتها في الواقع تختلف باختلاف الإنسان الحي ....
ليس اختلاف شكله .... وإنما اختلاف روحه ونفسه!
ولذلك كانت الحياة قابلة للاتصاف... بصفات الجمال ....
كما أﻧﻬا قابلة للاتصاف... بصفات القبح... فنسمع عن الحياة
السعيدة... كما نسمع عن الحياة البائسة التعيسة...
والإنسان أي إنسان يولد ممتلئا بالحياة ... زاخرة نفسه
وروحه بجمالها ومتعتها وطيبوبتها.... لأنه يولد مفطورا على
جمالها... فالفطرة هي ما تجعل الأطفال الصغار تتفجر منهم إشراقه
الحياة مندفقة على براءة وجوههم... تلوح من صفاء نيتهم ...
وتصرفاﺗﻬم... لكن ما يلوث تلك الفطرة ويفسدها... هو ذاته ما
يلوث الحياة ويقتلها... فتذبل أوراقها وتتلاشى أجزاؤها... حتى لا
يبقى منها إلا اسمها! فترى الإنسان حيا لكنه أشبه ما يكون
بالأموات!
الطريق إلى الحياة ٧
كل مولود يولد على الفطرة، » : ولذلك قال رسول الله
رواه البخاري]. ] « فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه
نصوص كثيرة وفي كتاب الله جل وعلا وسنة رسول الله
َأوَمَنْ َ كا َ ن مَيْتًا : تدل على هذه المعاني والدلالات، قال تعالى
َفَأحْيَيْنَاهُ وَجَعَْلنَا َلهُ نُورًا يَمْشِي ِبهِ فِي النَّا ِ س َ كمَنْ مََثُلهُ فِي
.[ الأنعام: ١٢٢ ] الظُُّلمَاتِ َليْسَ ِبخَا ِ ر ٍ ج مِنْهَا
ففي هذه الآية ألحق الله جل وعلا وصف الموت بالحي الذي لا
نور له من هدي الإسلام!
فهو حي بالاسم... ميت في الحقيقة! وليس له حياة إلا بالنور
الذي هو مادة الحياة وسرها... ذلك النور الذي يهدي المسلم إلى
ربه ويدله على حقائق الوجود... وحقائق الحياة... فيعيش فقيها
بأسرارها... وعوامل طيبوبتها ومتعتها.
ولذلك أيضا ذم الله جل وعلا حرص اليهود على الحياة
الدنيا.... وساقها نكرة لأجل تحقيرها .... فقال سبحانه :
البقرة: ٩٦ ]، بينما امتن ] وََلتَ ِ جدَنَّهُمْ َأحْرَصَ النَّا ِ س عََلى حَيَاةٍ
على الصالحين من عباده بتوفيقهم للحياة الدنيوية الطيبة.... فقال
مَنْ عَمِ َ ل صَالِحًا مِنْ َ ذ َ ك ٍ ر َأوْ ُأنَْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ َفَلنُحِْييَنَّهُ : سبحانه
النحل: ] حَيَاًة َ طيِّبًَة وََلنَجْ ِ زيَنَّهُمْ َأجْرَهُمْ ِبَأحْسَ ِ ن مَا َ كانُوا يَعْمَُلو َ ن
.[٩٧
فاليهود والنصارى والمشركون أحياء... لكنهم بسبب ابتعادهم
عن دين الله أشبه ما يكونون بالأموات.... وإنما حياﺗﻬم متعة جافة
٨ الطريق إلى الحياة
عارية عن الهناء والسعادة... فهم يأكلون ويتمتعون كما تتمتع
الأنعام!
وأما الصالحون من عباد الله فيتلذذون بالحياة تلذذهم بالطعام
الهنيء... لا لأﻧﻬم يأكلون ويشربون ويتمتعون... وإنما لأهم ساروا
على طريق الحياة الطيبة بكل مفرداﺗﻬا!! فما هو الطريق إلى الحياة؟
الطريق إلى الحياة
وإليك أخي الأعمال التي توجب الحياة وتضعها في القلوب:
* ملازمة التوبة:
أخي الكريم: إن مما يعكر صفو الحياة وﺑﻬاءها، ويسلب عنها
نعمة المتعة والطيبوبة هو الذنوب! فبحسبها يموت في المسلم إشراقه،
ويتبلد إحساسه، ويخفت نوره وتتلوث أنفاسه!
فهي ران يكسو القلوب... ويطمس أبصارها ... فتفسد
وتمرض، وتختلط عليها حقائق الأشياء... لتبدأ رحلة التيه حيث
الشقاء!.
. َ كلَّا بَ ْ ل رَا َ ن عََلى ُقُلوِب ِ همْ مَا َ كانُوا يَ ْ كسِبُو َ ن : قال تعالى
والقلب هو مركز الإحساس! وبصيرة العقل... ومتى فسد فسد
الجسد كله... فعاش صاحبه حياة مظلمة تعيسة! ولذلك قال
ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح » : رسول الله
.« الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب
فالقلب هو منبع الحياة... ولا يقتل حياة القلب إلا الذنوب ...
الطريق إلى الحياة ٩
ولا يحييه إلا التوبة النصوح!
ولذلك كانت منزلة التوبة شرطا للحياة الطيبة! كما قال
وََأنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّ ُ كمْ ُثمَّ تُوبُوا ِإَليْهِ يُمَتِّعْ ُ كمْ مَتَاعًا حَسَنًا : تعالى
.[ هود: ٣ ] ِإَلى َأجَ ٍ ل مُسَمى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي َفضْ ٍ ل َفضَْلهُ
فالمتاع الحسن هنا ثواب عاجل في الدنيا للتائبين المستغفرين .
وذلك لأن التوبة تمحو ران القلوب وسواده، وتنظفه وتطهره من
أوساخ المعاصي وأدراﻧﻬا وأوحالها، فيصير نظيفا طاهرا من كل ما
يحول بينه وبين الحياة.
رأيت الذنوب تميت القلوب
وقد يورث الذل إدماﻧﻬ ا
وترك الذنوب حياة القلوب
وخير لنفسك عصياﻧﻬ ا
أخي الكريم: ولما كان الإنسان موصوفا بالنقص والضعف، فإنه
ولابد معرض للوقوع في الخطايا والسيئات! إذ النقص والجهل في
النفس من أهم صفاﺗﻬا وسماﺗﻬا.
. ِإنَّهُ كَا َ ن َ ظُلومًا جَهُوًلا : قال تعالى عن الإنسان
ولما كانت المعاصي تكتم حياة القلب وتقتل إشراقه، فإن
ملازمة التوبة والاستغفار هو ما يبقي القلب نظيفا طاهرا كلما
أصابته علة الذنوب ولوثت إشراقه وحياته ...
ولهذا أرشد الله جل وعلا عباده المؤمنين إلى ملازمة التوبة
١٠ الطريق إلى الحياة
وَتُوبُوا ِإَلى اللَّهِ جَمِيعًا َأيُّهَا : وجعل ذلك غاية فلاحهم فقال
. اْلمُؤْمِنُو َ ن َلعَلَّكُمْ تُ ْ فلِحُو َ ن
قال ابن تيمية رحمه الله: "فالقلب لا يصلح ولا يفلح ولا يتلذذ
ولا يسر ولا يطيب ولا يسكن ولا يطمئن إلا بعبادة ربه وحبه
الإنابة إليه، ولو حصل له كل ما يتلذذ به من المخلوقات لم يطمئن،
ولم يسكن، إذ فيه فقر ذاتي إلى ربه، ومن حيث هو معبوده ومحبوبه
ومطلوبه".
يا أيها » : وهو أكمل الناس حياة يقول وهذا رسول الله
رواه ] « الناس توبوا إلى الله، فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة
مسلم].
ففي تكرار التوبة وملازمتها سر! وهو تطهير القلب من كل
ذنب حادث ... ومن المعلوم أن المسلم قد يرتكب ذنوبا هو لا
يشعر ... كأن يتسلل إلى قلبه عجب في لحظة مدح ... أو رياء في
عبادة ... أو غضبة لغير الله ... أو فلتة في غفلة ... أو نحو ذلك
من الذنوب ... ولأنه موصوف بالنقص وغلبة الطباع والنسيان قد
لا يستغفر لأنه أصلا لا يعرف أنه أخطأ ... فتظل ذنوبه تنكت
آثارها حتى تعكر عليه صفوه وحياته ... ولذلك فإن ملازمة التوبة
هو ما يجعل المسلم سالما كل حين كما أوصى بذلك الرسول
من عواقب الذنوب ومغباﺗﻬا.
فسر في طريق الله مستمسك العرى
فطوبى لمن لله عاش وأخلصا
الطريق إلى الحياة ١١
وإياك أن ترضى بصحبة فاجر
تقمصه إبليس فيمن تقمص ا
تراه غريقا في الضلال كأنما
تخرج تلميذا له وتخصص ا
ومن سار في درب الردى غاله الردى
ومن سار في درب الخلاص تخلص ا
* العمل الصالح:
فالتوبة طهارة من الذنوب التي تعكر صفو الحياة، والعمل
الصالح هو ماء الحياة فيها، وهو للقلوب بمثابة الماء للزرع. ولذلك
يَا َأيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَ ِ جيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُو ِ ل ِإ َ ذا : قال تعالى
الأنفال: ٢٤ ]، فجعل سبحانه الاستجابة لله ] دَعَا ُ كمْ لِمَا يُحِْيي ُ كمْ
ولرسوله هي الحياة، فلا حياة للمسلم إلا ﺑﻬا . والاستجابة لله
ولرسوله هي التقوى والعمل الصالح.
مَنْ عَمِ َ ل صَالِحًا مِنْ َ ذ َ ك ٍ ر َأوْ ُأنَْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ : وقال سبحانه
َفَلنُحِْييَنَّهُ حَيَاًة َ طيِّبًَة وََلنَجْ ِ زيَنَّهُمْ َأجْرَهُمْ ِبَأحْسَ ِ ن مَا َ كانُوا يَعْمَلُو َ ن
.[ [النحل: ٩٧
قال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي: "فأخبر تعالى ووعد
من جمع بين الإيمان والعمل الصالح بالحياة الطيبة في هذه الدار،
وبالجزاء الحسن في دار القرار. وسبب ذلك واضح: فإن المؤمنين
بالله الإيمان الصحيح المثمر للعمل الصالح، المصلح للقلوب
والأخلاق والدنيا والآخرة، معهم أصول وأسس يتلقون فيها جميع
١٢ الطريق إلى الحياة
ما يرد عليهم من أسباب السرور والابتهاج وأسباب القلق والهم
والأحزان: يتلقون المحاب والمسار بقبول لها، وشكر عليها،
واستعمال لما ينفع، فإذا استعملوها على هذا الوجه، أحدث لهم من
الابتهاج ﺑﻬا، والطمع في بقائها وبركتها، ورجاء ثواب الشاكرين:
أمورا عظيمة تفوق بخيراﺗﻬا وبركاﺗﻬا هذه المسرات التي هذه ثمراﺗﻬا.
ويتلقون المكاره والمضار والهم والغم بالمقاومة لما يمكنهم
مقاومته، وتخفيف ما يمكن تخفيفه، والصبر الجميل لما ليس لهم عند
بد، وبذلك يحصل لهم من آثار المكاره من المقاومات النافعة
والتجارب والقوة، ومن الصبر واحتساب الأجر والثواب: أمور
عظيمة، تضمحل معها المكاره، وتحصل محلها المسار، والآمال
عن هذا في الطيبة، والطمع فيه فضل الله وثوابه. كما عبر النبي
عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير: » : الحديث الصحيح: أنه قال
إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر
رواه مسلم]. ] « فكان خيرًا له. وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن
فأخبر أن المؤمن يتضاعف غنمه وخيره وثمراته وأعماله في كل
ما يطرقه من السرور والمكاره" [الوسائل المفيدة للحياة السعيدة
.[ ص ٥
أخي الكريم: واعلم أن العمل هو كل قربة يتقرب ﺑﻬا إلى الله
سبحانه، وهو يشمل الفرائض والواجبات والأعمال المستحبة،
وبحسب حرص المسلم على هذه الأعمال يكون كمال حياته
وجمالها.
الطريق إلى الحياة ١٣
ولذلك كان أحيا الناس وأسعدهم عيشا هم الصالحون الأتقياء،
الذي يؤدون فرائض الله ويسارعون في الخيرات.
ومع العمل الصالح ... لا حدود للحياة ... إذ كلما ارتقى
المسلم في التقرب إلى الله وهبت له الزيادة في انشراح الصدر
وطمأنينة النفس ورغد الحياة ... حتى يصير المؤمن من أولياء الله
الذين لا خوف عليهم ولا هم يخزنون ...
إن » : فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله
الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب
إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي
يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع
به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش ﺑﻬا، ورجله التي
يمشي ﺑﻬا، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما
ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت
رواه البخاري]. ] « وأنا أكره مساءته
والعمل الصالح هو ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال
الظاهرة والباطنة وأهمها:
الصلاة: فهي روح القلوب وطمأنينتها، وقد كان رسول الله
أرحنا ﺑﻬا يا » : يشير على بلال بن رباح رضي الله عنه بقوله
.« بلال
وللصلاة تأثير عجيب على راحة النفوس وهدوئها، وخشوع
الجوارح وسكينتها وانشراح الصدر، وزوال الهم والغم والكدر ...
١٤ الطريق إلى الحياة
فهي قوام الدين وعمود الإسلام الذي هو سر الحياة السعيدة!
بني الإسلام على خمس: شه ادة أن لا » : قال رسول الله
إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة،
رواه البخاري ومسلم]. ] « وحج البيت، وصوم رمضان
يقول: وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله
أرأيتم لو أن ﻧﻬرا باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات »
هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء . قال :
رواه ] « فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله ﺑﻬن الخطايا
البخاري ومسلم].
وهل سبب نكد الحياة وضيقها وموت القلوب وقسوﺗﻬا إلا
الخطايا!
ولكم تغمر بركة الحياة نفس مؤمن تطهر فأحسن وضوءه ...
ومشى إلى بيت الله في سكينة ووقار ... فأدى فرض الله في خضوع
وخشوع ... راغبا في عطائه وفضله ... راهبا من عذابه وسخطه
... وعاد وكأنه ولد من جديد!
"والعبد إذا قام إلى الصلاة غار الشيطان منه، فإنه قام في أعظم
مقام، وأقربه وأغيظه للشيطان، وأشده عليه، فهو يحرص ويجتهد
كل الاجتهاد أن لا يقيمه فيه، بل لا يزال به يعده ويمنيه وينسيه،
ويجلب عليه بخيله ورجله، حتى يهون عليه شأن الصلاة، فيتهاون ﺑﻬا
فيتركها.
فإن عجز عن ذلك وعصاه العبد، وقام في ذلك المقام، أقبل
الطريق إلى الحياة ١٥
عدو الله تعالى حتى يخطر بينه وبين نفسه، ويحول بينه وبين قلبه،
فيذكره في الصلاة ما لم يكن يذكر قبل دخوله فيها، حتى ربما كان
قد نسي الشيء والحاجة، وأيس منها، فيذكره إياها في الصلاة،
ليشغل قلبه ﺑﻬا، ويأخذه عن الله عز وجل، فيقوم فيها بلا قلب، فلا
ينال من إقبال الله تعالى وكرامته وقربه ما يناله المقبل على
ربه عز وجل الحاضر بقلبه في صلاته، فينصرف من صلاته
مثل ما دخل فيها بخطاياه وذنوبه، وأثقاله لم تخف عنه بالصلاة، فإن
الصلاة إنما تكفر سيئات من أدى حقها، وأكمل خضوعها ووقف
بين يدي الله تعالى بقلبه وقالبه.
فهذا إذا انصرف منها، وجد خفة من نفسه، وأحس بأثقال قد
وضعت عنه، فوجد نشاطا وراحة وروحا حتى يتمنى أنه لم يكن
خرج منها، لأﻧﻬا قرة عينيه، ونعيم روحه، وجنة قلبه، ومستراحه
في الدنيا، فلا يزال كأنه في سجن ضيق حتى يدخل فيها، فيستريح
ﺑﻬا لا منها، فالمحبوبون يقولون: نصلي فنستريح بصلاتنا، كما قال
رواه أبو ] « يا بلال! أرحنا بالصلاة » : إمامهم وقدوﺗﻬم ونبيهم
.[ داود]" [الوابل الصيب لابن القيم ص ٤٥
بينما يضيق صدر تارك الصلاة ... وتتنغص حياته ... ويموت
إن بين » : يقول زهوه وإشراقه ... وكيف لا! ورسول الله
رواه مسلم]. ] « الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة
أخي الكريم: إن أداءك للصلاة المفروضة من أعظم موارد
حياتك وطمأنينتك، ولا تزال حياتك تفيض بالإشراق كلما
١٦ الطريق إلى الحياة
ارتقيت في هذه المنزلة العظيمة خشوعا وحرصا وخضوعا، وكلما
ارتقيت أيضا فيها بأداء النوافل والرواتب فهي تكمل الفرائض وتجبر
نقصها، وفي الوقت نفسه هي من خير الأعمال بعدها ...
استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير » : قال رسول الله
رواه ابن ] « أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن
ماجة].
إذا قضى » : وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله
أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبًا من صلاته: فإن
رواه مسلم]. ] « الله جاعل في بيته من صلاته خيرًا
* ذكر الله تعالى:
منزلة الذكر، منزلة فاصلة بين ولقد جعل رسول الله
الأحياء والأموات.
مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل » : فقال
رواه البخاري]. ] « الحي والميت
فللذكر هو حياة القلب، وبحسب حياة القلب تطيب الحياة،
ولذلك كان ذكر الله جل وعلا خير الأعمال وأزكاها ...
ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها » : كما قال رسول الله
عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب
والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم
رواه ] « ويضربوا أعناقكم! قالوا: بلى. قال : ذكر الله تعالى
الطريق إلى الحياة ١٧
الترمذي].
يقول ابن القيم رحمه الله: "والله سبحانه وتعالى يقرن بين الحياة
َأوَمَنْ كَا َ ن مَيْتًا َفَأحْيَيْنَاهُ وَجَعَْلنَا َلهُ : والنور، كما في قوله تعالى
نُورًا يَمْشِي ِبهِ فِي النَّا ِ س َ كمَنْ مََثلُهُ فِي الظُُّلمَاتِ َليْسَ ِبخَا ِ ر ٍ ج
.[ الأنعام: ١٢٢ ] مِنْهَا
وَ َ ك َ ذلِكَ َأوْحَيْنَا ِإَليْكَ رُوحًا مِنْ : وكذلك قوله عز وجل
َأمْ ِ رنَا مَا كُنْتَ تَدْ ِ ري مَا اْلكِتَابُ وََلا اْلِإيمَا ُ ن وََلكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا
.[ الشورى: ٥٢ ] نَهْدِي ِبهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا
وقد قيل إن الضمير في "جعلناه": عائد إلى الأمر.
وقيل: إلى الكتاب.
وقيل: إلى الإيمان.
وقيل: إلى الروح.
أي: جعلنا ذلك الروح الذي أوحيناه إليك نورًا، فسماه
روحًا، لما جعل به من الحياة، وجعله نورًا، لما يحصل به من الإشراق
والإضاءة، وهما متلازمتان، فحيث وجدت هذه الحياة ﺑﻬذه الروح،
وجدت الإضاءة والاستنارة، وحيث وجدت الاستنارة والإضاءة،
وجدت الحياة، فمن لم يقبل قلبه هذا الروح، فهو ميت مظلم، كما
أن من فارق بدنه روح الحياة، فهو هالك مضمحل.
فلهذا يضرب سبحانه وتعالى المثلين: المائي والناري معا، لما
يحصل بالماء من الحياة، وبالنار من الإشراق والنور، كما ضرب
١٨ الطريق إلى الحياة
مََثلُهُمْ كَمَثَ ِ ل : ذلك في أول سورة البقرة في قوله تعالى
الَّذِي اسْتَوَْقدَ نَارًا َفَلمَّا َأضَاءَتْ مَا حَوَْلهُ َ ذهَبَ اللَّهُ ِبنُو ِ رهِمْ
.[ البقرة: ١٧ ] وَتَرَ َ كهُمْ فِي ُ ظُلمَاتٍ َلا يُبْصِرُو َ ن
فسبحان من جعل كلامه لأدواء الصور شافيا، وإلى الإيمان
وحقائقه مناديا، وإلى الحياة الأبدية والنعيم المقيم داعيا، وإلى طريق
الرشاد هاديا.
لقد أسمع منادي الإيمان لو صادف آذانا واعية، وشفت مواعظ
القرآن لو وافقت قلوبا خالية، ولكن عصفت على القلوب أهوية
الشبهات والشهوات، فأطفأت مصابيحها وتمكنت منها أيدي
الغفلة والجهالة، فأغلقت أبواب رشدها، وأضاعت مفاتيحها وران
عليها كسبها، فلم ينفع فيها الكلام، وسكرت بشهوات الغي
وشهادة الباطل فلم تصغ بعده إلى الملام، ووعظت بمواعظ أنكى
فيها من الأسنة والسهام، ولكن ماتت في بحر الجهل والغفلة، وأسر
الهوى والشهوة ... وما لجرح بميت إيلام".
فقال: "إن شرائع الإسلام قد ودخل أعرابي على رسول الله
لا يزال لسانك » : كثرت علي فأنبئني منها بشيء أتشبه به". قال
رواه ابن ماجة والحاكم]. ] « رطبا من ذكر الله عز وجل
قال أحد السلف: "مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا
أطيب ما فيها. قيل: وما أطيب ما فيها؟
قال: محبة الله تعالى ومعرفته وذكره".
وسئل ابن عباس رضي الله عنهما: أي العمل أفضل؟ قال: ذكر
الطريق إلى الحياة ١٩
اللَّهُ نَزَّ َ ل : الله أكبر، وأجل الذكر وأفضله هو القرآن، قال تعالى
َأحْسَنَ اْلحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَاِبهًا مَثَاِنيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُُلودُ الَّذِينَ
يَخْشَوْ َ ن رَبَّهُمْ ُثمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ ِإَلى ذِكِْ ر اللَّهِ َ ذلِكَ هُدَى
الزمر: ] اللَّهِ يَهْدِي ِبهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِ ِ ل اللَّهُ َفمَا َلهُ مِنْ هَادٍ
.[٢٣
ولقد بين الله جل وعلا أن تلاوة كتابه شفاء للصدور كما قال
وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ : سبحانه
جَنَّاتٍ تَجْ ِ ري مِنْ تَحْتِهَا اْلَأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا َأبَدًا َلهُمْ فِيهَا َأزْوَاجٌ
.[ النساء: ٥٧ ] مُ َ طهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا َ ظلِيلًا
فهو سكينة النفوس، وطمأنينة القلوب، وحياﺗﻬا وصفاؤها،
ولذلك فإن صاحب القرآن المولع بتلاوته وترتيله طيبُ النفس أبدًا
مثل المؤمن الذي يقرأ » : ... كما أخبر بذلك رسول الله
القرآن مثل الأترجة: ريحها طيب، وطعمها طيب، ومثل المؤمن
الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل
المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر،
ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة لا ريح لها
رواه البخاري ومسلم]. ] « وطعمها مر
ومن أهم الأذكار التي تحيا ﺑﻬا القلوب، وتبتهج ﺑﻬا النفوس
أذكار الصباح والمساء، والأذكار الدافعة للهموم والأحزان،
والأذكار المؤقتة كأذكار النوم والخروج والدخول ونحوها، وهي
أقل ما ينبغي للمسلم الحفاظ عليه حتى يدوم نشاطه، وانشراح
٢٠ الطريق إلى الحياة
صدره.
وإذا مرضنا تداوينا بذكركم
ونترك الذكر أحيانا فننتكس
أخي الكريم: فاحرص على هذه الأذكار ... واعلم أنه ما من
شيء تصفو به النفوس وتطمئن به القلوب كذكر الله جل وعلا ...
الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ ِبذِكِْ ر اللَّهِ َأَلا ِبذِكِْ ر : قال تعالى
.[ الرعد: ٢٨ ] اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
قال السعدي رحمه الله: "ومن أكبر الأسباب لانشراح الصدر
وطمأنينته الإكثار من ذكر الله، فإن لذلك تأثيرا عجيبا في انشراح
الصدر وطمأنينته وزوال همه وغمه. فلذكر الله أثر عظيم في حصول
هذا المطلوب لخاصيته ولا يرجوه العبد من ثوابه وأجره".
* الخلق الحسن مع الناس:
الخلق الحسن مع النفس والناس هو من أهم بواعث الحياة في
النفوس، ومن أهم عوامل الطمأنينة والسكينة، فصاحب الخلق
الحسن يعيش خاليا من العداوات والأحقاد، وعاريا عن الشواغل
التي يوجبها سوء الخلق، من الغضب والقطيعة والهجران والشتائم
والبغض وما تفرزه هذه الخصال من الأنكاد.
وصاحب الخلق حيٌّ بطيب كلامه وسلامة صدره وعفت ه
وعدله، وعفوه وصفحه، وسخائه وكرمه وحيائه وصدقه، فهو أينما
حل مقبول وأينما كان منصور! يحبه الناس ويجلونه، ويقدرونه
ويحترمونه!
الطريق إلى الحياة ٢١
وهذا كله يولد في نفسه راحة لا يمكنه تحصيلها مهما فعل! إلا
بالخلق الحسن وحده!.
ولهذا ورد الحث كثيرا على الخلق الحسن في كتاب الله وس نة
خُذِ الْعَفْوَ وَْأمُرْ ِباْلعُرْفِ وََأعْ ِ رضْ عَ ِ ن : قال تعالى ، رسوله
.[ الأعراف: ١٩٩ ] الْجَاهِلِينَ
قال العلامة السعدي رحمه الله في حسن الخلق: "هو خلق
فاضل عظيم أساسه الصبر والحلم، والرغبة في مكارم الأخلاق،
وآثاره العفو والصفح عن المسيئين، وإيصال المنافع إلى الخلق
أجمعين، فهو احتمال الجنايات والعفو عن الزلات، ومقابلة السيئات
خُذِ : بالحسنات، وقد جمع الله ذلك في آية واحدة، وهي قوله
.[ الأعراف: ١٩٩ ] الْعَفْوَ وَْأمُرْ ِباْلعُرْفِ وََأعْ ِ رضْ عَ ِ ن الْجَاهِلِينَ
إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة ال صائم » : وقال
رواه أبو داود]. ] « القائم
أكمل الناس حياة لما كان عليه من ولقد كان رسول الله
وَِإنَّكَ : الأخلاق الحميدة الفاضلة، إذ شهد له ربه بذلك فقال
.[ القلم: ٤ ] َلعَلى خُلُ ٍ ق عَظِي ٍ م
ليس الجمال بمئزر
فاعلم إذا رديت برد ا
إن الجمال معادن
ومناقب أورثن مجد ا
وحسن الخلق كما عرفه ابن تيمية هو: أن تصل من قطعك
٢٢ الطريق إلى الحياة
بالسلام والإكرام، والدعاء له، والاستغفار، والثناء عليه، والزيارة
له.
وتعطي من حرمك من التعليم والمنفعة والمال.
وتعفو عمن ظلمك في دم، أو مال، أو عرض.
.[٦٥٨/ وبعض هذا واجب، وبعضه مستحب" [الفتاوى ١٠
* القناعة:
ومما يعكر صفو الحياة، ويهدم صرح صفائها: الحرص المذموم!
ولو تحلى المسلم بالقناعة لبعثت الحياة في نفسه، ولاتعست عليه
الدنيا بعد الضيق ولانفرج همه وكشف غمه!
قال ابن الجوزي رحمه الله: "من قنع طاب عيشه، ومن طمع
طال طيشه".
يدل أمته على الحياة في رحاب القناعة وهذا رسول الله
طوبى لمن هدي إلى الإسلام، وكان عيشه كفافا، » : والغنى فيقول
رواه الترمذي وقال: حسن صحيح]. ] « وقنع
قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنَّعه الله » : أيضا ويقول
رواه مسلم]. ] « بما آتاه
فالقناعة خلق نفساني يقطع دابر التطلع المذموم، ويحث صاحبه
على التحلي بالرضى بما قسمه الله جل وعلا من رزق في الحياة
الدنيا دونما انزعاج ولا تسخط على المقدور.
الطريق إلى الحياة ٢٣
قال ابن مسعود رضي الله عنه: "اليقين ألا ترضي الناس بسخط
الله، ولا تحسد أحدا على رزق الله، ولا تلم أحدا على ما لم يؤتك
الله، فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره .
فإن الله تبارك وتعالى بقسطه وعلمه وحكمته جعل الروح والفرح
في اليقين والرضا. وجعل الهم والحزن في الشك والسخط".
وليست القناعة هي التواكل وقطع أسباب الرزق، وإنما هي
بذل الأسباب المشروعة دونما حرص أو تفريط في الواجبات
والفرائض، ثم الرضى بما قسمه الله جل وعلا.
لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم » : فقد قال
.« كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا
وفي القناعة مع الإيمان والصحة والعافية، حياة هنيئة طيبة، كما
من أصبح معافى في جسده. آمنا » : فقال أخبر بذلك رسول الله
رواه ] « في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا
البخاري ومسلم].
* الحفاظ على الصحة:
أخي الكريم: إن من أهم عوامل الحياة الطيبة الهنية : الصحة
والعافية.
سلوا الله اليقين والعافية، فما » : ولذلك قال رسول الله
رواه أحمد]. ] « أوتي أحد بعد اليقين خيرًا من العافية
بين عافيتي الدنيا والدين، قال ابن القيم رحمه الله: "فجمع
٢٤ الطريق إلى الحياة
ولا يتم صلاح العبد في الدارين إلا باليقين والعافية، فاليقين يدفع
عنه عقاب الآخرة، والعافية تدفع عنه أمراض الدنيا في قلبه وبدنه".
فاليقين هو ثمرة العقيدة الصحيحة والعمل الصالح، والعافية هي
ثمرة الحفاظ على الصحة النفسية والعضوية، وهي أمانة يغبن فيها
كثير من الناس ...
نعمتان مغبون فيها » : فقال كما أخبر بذلك رسول الله
رواه البخاري]. ] « كثير من الناس: الصحة والفراغ
أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن » : وقال
رواه الحاكم وصححه ووافقه ] «؟ يقال: ألم نُصح لك جسمك
الذهبي].
ُثمَّ َلتُسَْأُلنَّ يَوْمَئِذٍ عَ ِ ن : قال أحد السلف في قوله تعالى
قال: عن الصحة. النَّعِي ِ م
إذا، فالصحة أساس لكمال الحياة ... وباضمحلالها تضمحل
الحياة ... ومن هنا ينبغي لمن تطلع إلى الحياة الهنية أن ينهج النهج
السوي في الحفاظ على صحته كما أشار الله جل وعلا إلى ذلك
.[ الأعراف: ٣١ ] وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وََلا تُسْ ِ رفُوا : بقوله
قال ابن القيم رحمه الله: "فأرشدهم إلى إدخال ما يقيم البدن
من الطعام والشراب عوضا عما تحلل منه: وأن يكون بقدر ما ينتفع
به البدن في الكمية والكيفية. فمتى جاوز ذلك كان إسرافا وكلاهما
مانع من الصحة جالب للمرض. أعني عدم الأكل والشرب، أو
الإسراف فيهما، فحفظ الصحة كلها في هاتين الكلمتين الإلهيتين...
الطريق إلى الحياة ٢٥
ولما كانت الصحة والعافية من أجل نعم الله على عبده وأجزل
عطاياه وأوفر منحه، بل العافية المطلقة من أجل النعم على الإطلاق،
فحقيق بمن رزق حظا من التوفيق مراعاﺗﻬا وحفظها وحمايتها مما
يضادها" [زاد المعاد].
ومن أهم القواعد للحفاظ على الصحة:
- الاعتدال في الأكل والشرب، واجتناب الإسراف فيهما فما
ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه.
- الحرص على نظافة الطعام ونضجه.
- الحرص على تنويع الطعام فلا يسرف الإنسان في أكل نوع
دون آخر، كاللحم مثلا دون الفواكه أو الخضروات.
- الحرص على الثقافة الصحية، وعلى وجه التحديد فقه سنة
أكمل ما ترك خيرا إلا دل أمته عليه، وكان رسول الله
الناس صحة وحياة!
- الحرص على الأكل الطازج، دون المعلبات المصنعة
والمحفوظة بالمواد المصنعة فإﻧﻬا مضرة في الغالب.
- الحرص على نظافة الملبس والمسكن.
- الحرص على الطيب قدر المستطاع فهو دافع للروائح الخبيثة
المضرة بالجسد ومنفر للشياطين.
- الحرص على تمرين الجسد بالرياضة والحركة دون تفريط أو
وقوع في مخالفات شرعية.
٢٦ الطريق إلى الحياة
- الحرص على التداوي: فكما أن التوبة هي شفاء الأمراض
القلبية، فإن التداوي المشروع هو شفاء الأمراض البدنية، وبالشفاء
تكتمل طيبوبة الحياة.
* * *
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن الحياة هبة ربانية، وهبها الله سبحانه لخلقه، وجعل من
غموضها المطلق سرا ينطوي على بديع عظمته وصنعه.
وهي من حيث جنسها نعمة في حق الإنسان أي إنسان
لكنها من حيث آثارها ومعانيها يتفاوت مدلولها بين الأحياء ...
بتفاوت صفاء نفوسهم وحقيقة أفكارهم واختلاف حالاﺗﻬم...
فالحياة شرط البقاء لكنها كالإيمان في إمكانية بلوغها درجات
الكمال... وقصورها عن ذلك... بحسب الأحوال والأعمال!
فهي تكتسي حلة البهاء... ويغمرها فيض المتعة والهناء.... إذا
سقاها الإنسان بما يوجب لها الصفاء والنماء!
وليس هناك ما يوجب لها ذلك غير الفقه بحقيقتها... والسير
على المنهج السليم في بلوغ كمالها... فما هو الطريق إلى الحياة؟
حقيقة الحياة
أخي الكريم: إننا حينما نتكلم عن الحياة... فنحن حينئذ نتكلم
عن مطلق كلي.... ذهني الوجود... فلا وجود له في الخارج ...
كما لا هيئة له ولا شكل.... وإنما هو نعت نميز به الأشياء ...
فتظل حقيقة ذلك النعت وهو الحياة في أذهاننا مرتبطة
بالأشياء!
٦ الطريق إلى الحياة
فحياة النبات شيء.... وحياة الحيوان البهيمي شيء آخر....
كما أن حياة الكائنات الغيبية شيء.... وحياة الإنسان شيء آخر!
فكلها مخلوقات يطلق عليها نعت الحياة! لكن حياﺗﻬ ا... تختلف
باختلاف أنواعها وأشكالها وأصنافها!
فإذا أدركت أخي حقيقة اختلاف الحياة بين هذه
المخلوقات... رغم اشتراكها جميعا في مطلق الاتصاف بالحياة ...
فاعلم أن حياة الإنسان كذلك تختلف من إنسان إلى آخر... بحسب
العوامل والأحوال. فهي في الذهن أي ذهن حياة!
لكن حقيقتها في الواقع تختلف باختلاف الإنسان الحي ....
ليس اختلاف شكله .... وإنما اختلاف روحه ونفسه!
ولذلك كانت الحياة قابلة للاتصاف... بصفات الجمال ....
كما أﻧﻬا قابلة للاتصاف... بصفات القبح... فنسمع عن الحياة
السعيدة... كما نسمع عن الحياة البائسة التعيسة...
والإنسان أي إنسان يولد ممتلئا بالحياة ... زاخرة نفسه
وروحه بجمالها ومتعتها وطيبوبتها.... لأنه يولد مفطورا على
جمالها... فالفطرة هي ما تجعل الأطفال الصغار تتفجر منهم إشراقه
الحياة مندفقة على براءة وجوههم... تلوح من صفاء نيتهم ...
وتصرفاﺗﻬم... لكن ما يلوث تلك الفطرة ويفسدها... هو ذاته ما
يلوث الحياة ويقتلها... فتذبل أوراقها وتتلاشى أجزاؤها... حتى لا
يبقى منها إلا اسمها! فترى الإنسان حيا لكنه أشبه ما يكون
بالأموات!
الطريق إلى الحياة ٧
كل مولود يولد على الفطرة، » : ولذلك قال رسول الله
رواه البخاري]. ] « فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه
نصوص كثيرة وفي كتاب الله جل وعلا وسنة رسول الله
َأوَمَنْ َ كا َ ن مَيْتًا : تدل على هذه المعاني والدلالات، قال تعالى
َفَأحْيَيْنَاهُ وَجَعَْلنَا َلهُ نُورًا يَمْشِي ِبهِ فِي النَّا ِ س َ كمَنْ مََثُلهُ فِي
.[ الأنعام: ١٢٢ ] الظُُّلمَاتِ َليْسَ ِبخَا ِ ر ٍ ج مِنْهَا
ففي هذه الآية ألحق الله جل وعلا وصف الموت بالحي الذي لا
نور له من هدي الإسلام!
فهو حي بالاسم... ميت في الحقيقة! وليس له حياة إلا بالنور
الذي هو مادة الحياة وسرها... ذلك النور الذي يهدي المسلم إلى
ربه ويدله على حقائق الوجود... وحقائق الحياة... فيعيش فقيها
بأسرارها... وعوامل طيبوبتها ومتعتها.
ولذلك أيضا ذم الله جل وعلا حرص اليهود على الحياة
الدنيا.... وساقها نكرة لأجل تحقيرها .... فقال سبحانه :
البقرة: ٩٦ ]، بينما امتن ] وََلتَ ِ جدَنَّهُمْ َأحْرَصَ النَّا ِ س عََلى حَيَاةٍ
على الصالحين من عباده بتوفيقهم للحياة الدنيوية الطيبة.... فقال
مَنْ عَمِ َ ل صَالِحًا مِنْ َ ذ َ ك ٍ ر َأوْ ُأنَْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ َفَلنُحِْييَنَّهُ : سبحانه
النحل: ] حَيَاًة َ طيِّبًَة وََلنَجْ ِ زيَنَّهُمْ َأجْرَهُمْ ِبَأحْسَ ِ ن مَا َ كانُوا يَعْمَُلو َ ن
.[٩٧
فاليهود والنصارى والمشركون أحياء... لكنهم بسبب ابتعادهم
عن دين الله أشبه ما يكونون بالأموات.... وإنما حياﺗﻬم متعة جافة
٨ الطريق إلى الحياة
عارية عن الهناء والسعادة... فهم يأكلون ويتمتعون كما تتمتع
الأنعام!
وأما الصالحون من عباد الله فيتلذذون بالحياة تلذذهم بالطعام
الهنيء... لا لأﻧﻬم يأكلون ويشربون ويتمتعون... وإنما لأهم ساروا
على طريق الحياة الطيبة بكل مفرداﺗﻬا!! فما هو الطريق إلى الحياة؟
الطريق إلى الحياة
وإليك أخي الأعمال التي توجب الحياة وتضعها في القلوب:
* ملازمة التوبة:
أخي الكريم: إن مما يعكر صفو الحياة وﺑﻬاءها، ويسلب عنها
نعمة المتعة والطيبوبة هو الذنوب! فبحسبها يموت في المسلم إشراقه،
ويتبلد إحساسه، ويخفت نوره وتتلوث أنفاسه!
فهي ران يكسو القلوب... ويطمس أبصارها ... فتفسد
وتمرض، وتختلط عليها حقائق الأشياء... لتبدأ رحلة التيه حيث
الشقاء!.
. َ كلَّا بَ ْ ل رَا َ ن عََلى ُقُلوِب ِ همْ مَا َ كانُوا يَ ْ كسِبُو َ ن : قال تعالى
والقلب هو مركز الإحساس! وبصيرة العقل... ومتى فسد فسد
الجسد كله... فعاش صاحبه حياة مظلمة تعيسة! ولذلك قال
ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح » : رسول الله
.« الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب
فالقلب هو منبع الحياة... ولا يقتل حياة القلب إلا الذنوب ...
الطريق إلى الحياة ٩
ولا يحييه إلا التوبة النصوح!
ولذلك كانت منزلة التوبة شرطا للحياة الطيبة! كما قال
وََأنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّ ُ كمْ ُثمَّ تُوبُوا ِإَليْهِ يُمَتِّعْ ُ كمْ مَتَاعًا حَسَنًا : تعالى
.[ هود: ٣ ] ِإَلى َأجَ ٍ ل مُسَمى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي َفضْ ٍ ل َفضَْلهُ
فالمتاع الحسن هنا ثواب عاجل في الدنيا للتائبين المستغفرين .
وذلك لأن التوبة تمحو ران القلوب وسواده، وتنظفه وتطهره من
أوساخ المعاصي وأدراﻧﻬا وأوحالها، فيصير نظيفا طاهرا من كل ما
يحول بينه وبين الحياة.
رأيت الذنوب تميت القلوب
وقد يورث الذل إدماﻧﻬ ا
وترك الذنوب حياة القلوب
وخير لنفسك عصياﻧﻬ ا
أخي الكريم: ولما كان الإنسان موصوفا بالنقص والضعف، فإنه
ولابد معرض للوقوع في الخطايا والسيئات! إذ النقص والجهل في
النفس من أهم صفاﺗﻬا وسماﺗﻬا.
. ِإنَّهُ كَا َ ن َ ظُلومًا جَهُوًلا : قال تعالى عن الإنسان
ولما كانت المعاصي تكتم حياة القلب وتقتل إشراقه، فإن
ملازمة التوبة والاستغفار هو ما يبقي القلب نظيفا طاهرا كلما
أصابته علة الذنوب ولوثت إشراقه وحياته ...
ولهذا أرشد الله جل وعلا عباده المؤمنين إلى ملازمة التوبة
١٠ الطريق إلى الحياة
وَتُوبُوا ِإَلى اللَّهِ جَمِيعًا َأيُّهَا : وجعل ذلك غاية فلاحهم فقال
. اْلمُؤْمِنُو َ ن َلعَلَّكُمْ تُ ْ فلِحُو َ ن
قال ابن تيمية رحمه الله: "فالقلب لا يصلح ولا يفلح ولا يتلذذ
ولا يسر ولا يطيب ولا يسكن ولا يطمئن إلا بعبادة ربه وحبه
الإنابة إليه، ولو حصل له كل ما يتلذذ به من المخلوقات لم يطمئن،
ولم يسكن، إذ فيه فقر ذاتي إلى ربه، ومن حيث هو معبوده ومحبوبه
ومطلوبه".
يا أيها » : وهو أكمل الناس حياة يقول وهذا رسول الله
رواه ] « الناس توبوا إلى الله، فإني أتوب إلى الله في اليوم مائة مرة
مسلم].
ففي تكرار التوبة وملازمتها سر! وهو تطهير القلب من كل
ذنب حادث ... ومن المعلوم أن المسلم قد يرتكب ذنوبا هو لا
يشعر ... كأن يتسلل إلى قلبه عجب في لحظة مدح ... أو رياء في
عبادة ... أو غضبة لغير الله ... أو فلتة في غفلة ... أو نحو ذلك
من الذنوب ... ولأنه موصوف بالنقص وغلبة الطباع والنسيان قد
لا يستغفر لأنه أصلا لا يعرف أنه أخطأ ... فتظل ذنوبه تنكت
آثارها حتى تعكر عليه صفوه وحياته ... ولذلك فإن ملازمة التوبة
هو ما يجعل المسلم سالما كل حين كما أوصى بذلك الرسول
من عواقب الذنوب ومغباﺗﻬا.
فسر في طريق الله مستمسك العرى
فطوبى لمن لله عاش وأخلصا
الطريق إلى الحياة ١١
وإياك أن ترضى بصحبة فاجر
تقمصه إبليس فيمن تقمص ا
تراه غريقا في الضلال كأنما
تخرج تلميذا له وتخصص ا
ومن سار في درب الردى غاله الردى
ومن سار في درب الخلاص تخلص ا
* العمل الصالح:
فالتوبة طهارة من الذنوب التي تعكر صفو الحياة، والعمل
الصالح هو ماء الحياة فيها، وهو للقلوب بمثابة الماء للزرع. ولذلك
يَا َأيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَ ِ جيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُو ِ ل ِإ َ ذا : قال تعالى
الأنفال: ٢٤ ]، فجعل سبحانه الاستجابة لله ] دَعَا ُ كمْ لِمَا يُحِْيي ُ كمْ
ولرسوله هي الحياة، فلا حياة للمسلم إلا ﺑﻬا . والاستجابة لله
ولرسوله هي التقوى والعمل الصالح.
مَنْ عَمِ َ ل صَالِحًا مِنْ َ ذ َ ك ٍ ر َأوْ ُأنَْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ : وقال سبحانه
َفَلنُحِْييَنَّهُ حَيَاًة َ طيِّبًَة وََلنَجْ ِ زيَنَّهُمْ َأجْرَهُمْ ِبَأحْسَ ِ ن مَا َ كانُوا يَعْمَلُو َ ن
.[ [النحل: ٩٧
قال العلامة عبد الرحمن بن ناصر السعدي: "فأخبر تعالى ووعد
من جمع بين الإيمان والعمل الصالح بالحياة الطيبة في هذه الدار،
وبالجزاء الحسن في دار القرار. وسبب ذلك واضح: فإن المؤمنين
بالله الإيمان الصحيح المثمر للعمل الصالح، المصلح للقلوب
والأخلاق والدنيا والآخرة، معهم أصول وأسس يتلقون فيها جميع
١٢ الطريق إلى الحياة
ما يرد عليهم من أسباب السرور والابتهاج وأسباب القلق والهم
والأحزان: يتلقون المحاب والمسار بقبول لها، وشكر عليها،
واستعمال لما ينفع، فإذا استعملوها على هذا الوجه، أحدث لهم من
الابتهاج ﺑﻬا، والطمع في بقائها وبركتها، ورجاء ثواب الشاكرين:
أمورا عظيمة تفوق بخيراﺗﻬا وبركاﺗﻬا هذه المسرات التي هذه ثمراﺗﻬا.
ويتلقون المكاره والمضار والهم والغم بالمقاومة لما يمكنهم
مقاومته، وتخفيف ما يمكن تخفيفه، والصبر الجميل لما ليس لهم عند
بد، وبذلك يحصل لهم من آثار المكاره من المقاومات النافعة
والتجارب والقوة، ومن الصبر واحتساب الأجر والثواب: أمور
عظيمة، تضمحل معها المكاره، وتحصل محلها المسار، والآمال
عن هذا في الطيبة، والطمع فيه فضل الله وثوابه. كما عبر النبي
عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير: » : الحديث الصحيح: أنه قال
إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر
رواه مسلم]. ] « فكان خيرًا له. وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن
فأخبر أن المؤمن يتضاعف غنمه وخيره وثمراته وأعماله في كل
ما يطرقه من السرور والمكاره" [الوسائل المفيدة للحياة السعيدة
.[ ص ٥
أخي الكريم: واعلم أن العمل هو كل قربة يتقرب ﺑﻬا إلى الله
سبحانه، وهو يشمل الفرائض والواجبات والأعمال المستحبة،
وبحسب حرص المسلم على هذه الأعمال يكون كمال حياته
وجمالها.
الطريق إلى الحياة ١٣
ولذلك كان أحيا الناس وأسعدهم عيشا هم الصالحون الأتقياء،
الذي يؤدون فرائض الله ويسارعون في الخيرات.
ومع العمل الصالح ... لا حدود للحياة ... إذ كلما ارتقى
المسلم في التقرب إلى الله وهبت له الزيادة في انشراح الصدر
وطمأنينة النفس ورغد الحياة ... حتى يصير المؤمن من أولياء الله
الذين لا خوف عليهم ولا هم يخزنون ...
إن » : فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله
الله تعالى قال: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب
إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، وما يزال عبدي
يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع
به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش ﺑﻬا، ورجله التي
يمشي ﺑﻬا، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما
ترددت في شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت
رواه البخاري]. ] « وأنا أكره مساءته
والعمل الصالح هو ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال
الظاهرة والباطنة وأهمها:
الصلاة: فهي روح القلوب وطمأنينتها، وقد كان رسول الله
أرحنا ﺑﻬا يا » : يشير على بلال بن رباح رضي الله عنه بقوله
.« بلال
وللصلاة تأثير عجيب على راحة النفوس وهدوئها، وخشوع
الجوارح وسكينتها وانشراح الصدر، وزوال الهم والغم والكدر ...
١٤ الطريق إلى الحياة
فهي قوام الدين وعمود الإسلام الذي هو سر الحياة السعيدة!
بني الإسلام على خمس: شه ادة أن لا » : قال رسول الله
إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة،
رواه البخاري ومسلم]. ] « وحج البيت، وصوم رمضان
يقول: وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله
أرأيتم لو أن ﻧﻬرا باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات »
هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء . قال :
رواه ] « فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله ﺑﻬن الخطايا
البخاري ومسلم].
وهل سبب نكد الحياة وضيقها وموت القلوب وقسوﺗﻬا إلا
الخطايا!
ولكم تغمر بركة الحياة نفس مؤمن تطهر فأحسن وضوءه ...
ومشى إلى بيت الله في سكينة ووقار ... فأدى فرض الله في خضوع
وخشوع ... راغبا في عطائه وفضله ... راهبا من عذابه وسخطه
... وعاد وكأنه ولد من جديد!
"والعبد إذا قام إلى الصلاة غار الشيطان منه، فإنه قام في أعظم
مقام، وأقربه وأغيظه للشيطان، وأشده عليه، فهو يحرص ويجتهد
كل الاجتهاد أن لا يقيمه فيه، بل لا يزال به يعده ويمنيه وينسيه،
ويجلب عليه بخيله ورجله، حتى يهون عليه شأن الصلاة، فيتهاون ﺑﻬا
فيتركها.
فإن عجز عن ذلك وعصاه العبد، وقام في ذلك المقام، أقبل
الطريق إلى الحياة ١٥
عدو الله تعالى حتى يخطر بينه وبين نفسه، ويحول بينه وبين قلبه،
فيذكره في الصلاة ما لم يكن يذكر قبل دخوله فيها، حتى ربما كان
قد نسي الشيء والحاجة، وأيس منها، فيذكره إياها في الصلاة،
ليشغل قلبه ﺑﻬا، ويأخذه عن الله عز وجل، فيقوم فيها بلا قلب، فلا
ينال من إقبال الله تعالى وكرامته وقربه ما يناله المقبل على
ربه عز وجل الحاضر بقلبه في صلاته، فينصرف من صلاته
مثل ما دخل فيها بخطاياه وذنوبه، وأثقاله لم تخف عنه بالصلاة، فإن
الصلاة إنما تكفر سيئات من أدى حقها، وأكمل خضوعها ووقف
بين يدي الله تعالى بقلبه وقالبه.
فهذا إذا انصرف منها، وجد خفة من نفسه، وأحس بأثقال قد
وضعت عنه، فوجد نشاطا وراحة وروحا حتى يتمنى أنه لم يكن
خرج منها، لأﻧﻬا قرة عينيه، ونعيم روحه، وجنة قلبه، ومستراحه
في الدنيا، فلا يزال كأنه في سجن ضيق حتى يدخل فيها، فيستريح
ﺑﻬا لا منها، فالمحبوبون يقولون: نصلي فنستريح بصلاتنا، كما قال
رواه أبو ] « يا بلال! أرحنا بالصلاة » : إمامهم وقدوﺗﻬم ونبيهم
.[ داود]" [الوابل الصيب لابن القيم ص ٤٥
بينما يضيق صدر تارك الصلاة ... وتتنغص حياته ... ويموت
إن بين » : يقول زهوه وإشراقه ... وكيف لا! ورسول الله
رواه مسلم]. ] « الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة
أخي الكريم: إن أداءك للصلاة المفروضة من أعظم موارد
حياتك وطمأنينتك، ولا تزال حياتك تفيض بالإشراق كلما
١٦ الطريق إلى الحياة
ارتقيت في هذه المنزلة العظيمة خشوعا وحرصا وخضوعا، وكلما
ارتقيت أيضا فيها بأداء النوافل والرواتب فهي تكمل الفرائض وتجبر
نقصها، وفي الوقت نفسه هي من خير الأعمال بعدها ...
استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير » : قال رسول الله
رواه ابن ] « أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن
ماجة].
إذا قضى » : وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله
أحدكم الصلاة في مسجده فليجعل لبيته نصيبًا من صلاته: فإن
رواه مسلم]. ] « الله جاعل في بيته من صلاته خيرًا
* ذكر الله تعالى:
منزلة الذكر، منزلة فاصلة بين ولقد جعل رسول الله
الأحياء والأموات.
مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل » : فقال
رواه البخاري]. ] « الحي والميت
فللذكر هو حياة القلب، وبحسب حياة القلب تطيب الحياة،
ولذلك كان ذكر الله جل وعلا خير الأعمال وأزكاها ...
ألا أنبئكم بخير أعمالكم، وأزكاها » : كما قال رسول الله
عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب
والورق، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم
رواه ] « ويضربوا أعناقكم! قالوا: بلى. قال : ذكر الله تعالى
الطريق إلى الحياة ١٧
الترمذي].
يقول ابن القيم رحمه الله: "والله سبحانه وتعالى يقرن بين الحياة
َأوَمَنْ كَا َ ن مَيْتًا َفَأحْيَيْنَاهُ وَجَعَْلنَا َلهُ : والنور، كما في قوله تعالى
نُورًا يَمْشِي ِبهِ فِي النَّا ِ س َ كمَنْ مََثلُهُ فِي الظُُّلمَاتِ َليْسَ ِبخَا ِ ر ٍ ج
.[ الأنعام: ١٢٢ ] مِنْهَا
وَ َ ك َ ذلِكَ َأوْحَيْنَا ِإَليْكَ رُوحًا مِنْ : وكذلك قوله عز وجل
َأمْ ِ رنَا مَا كُنْتَ تَدْ ِ ري مَا اْلكِتَابُ وََلا اْلِإيمَا ُ ن وََلكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا
.[ الشورى: ٥٢ ] نَهْدِي ِبهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا
وقد قيل إن الضمير في "جعلناه": عائد إلى الأمر.
وقيل: إلى الكتاب.
وقيل: إلى الإيمان.
وقيل: إلى الروح.
أي: جعلنا ذلك الروح الذي أوحيناه إليك نورًا، فسماه
روحًا، لما جعل به من الحياة، وجعله نورًا، لما يحصل به من الإشراق
والإضاءة، وهما متلازمتان، فحيث وجدت هذه الحياة ﺑﻬذه الروح،
وجدت الإضاءة والاستنارة، وحيث وجدت الاستنارة والإضاءة،
وجدت الحياة، فمن لم يقبل قلبه هذا الروح، فهو ميت مظلم، كما
أن من فارق بدنه روح الحياة، فهو هالك مضمحل.
فلهذا يضرب سبحانه وتعالى المثلين: المائي والناري معا، لما
يحصل بالماء من الحياة، وبالنار من الإشراق والنور، كما ضرب
١٨ الطريق إلى الحياة
مََثلُهُمْ كَمَثَ ِ ل : ذلك في أول سورة البقرة في قوله تعالى
الَّذِي اسْتَوَْقدَ نَارًا َفَلمَّا َأضَاءَتْ مَا حَوَْلهُ َ ذهَبَ اللَّهُ ِبنُو ِ رهِمْ
.[ البقرة: ١٧ ] وَتَرَ َ كهُمْ فِي ُ ظُلمَاتٍ َلا يُبْصِرُو َ ن
فسبحان من جعل كلامه لأدواء الصور شافيا، وإلى الإيمان
وحقائقه مناديا، وإلى الحياة الأبدية والنعيم المقيم داعيا، وإلى طريق
الرشاد هاديا.
لقد أسمع منادي الإيمان لو صادف آذانا واعية، وشفت مواعظ
القرآن لو وافقت قلوبا خالية، ولكن عصفت على القلوب أهوية
الشبهات والشهوات، فأطفأت مصابيحها وتمكنت منها أيدي
الغفلة والجهالة، فأغلقت أبواب رشدها، وأضاعت مفاتيحها وران
عليها كسبها، فلم ينفع فيها الكلام، وسكرت بشهوات الغي
وشهادة الباطل فلم تصغ بعده إلى الملام، ووعظت بمواعظ أنكى
فيها من الأسنة والسهام، ولكن ماتت في بحر الجهل والغفلة، وأسر
الهوى والشهوة ... وما لجرح بميت إيلام".
فقال: "إن شرائع الإسلام قد ودخل أعرابي على رسول الله
لا يزال لسانك » : كثرت علي فأنبئني منها بشيء أتشبه به". قال
رواه ابن ماجة والحاكم]. ] « رطبا من ذكر الله عز وجل
قال أحد السلف: "مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا
أطيب ما فيها. قيل: وما أطيب ما فيها؟
قال: محبة الله تعالى ومعرفته وذكره".
وسئل ابن عباس رضي الله عنهما: أي العمل أفضل؟ قال: ذكر
الطريق إلى الحياة ١٩
اللَّهُ نَزَّ َ ل : الله أكبر، وأجل الذكر وأفضله هو القرآن، قال تعالى
َأحْسَنَ اْلحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَاِبهًا مَثَاِنيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُُلودُ الَّذِينَ
يَخْشَوْ َ ن رَبَّهُمْ ُثمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ ِإَلى ذِكِْ ر اللَّهِ َ ذلِكَ هُدَى
الزمر: ] اللَّهِ يَهْدِي ِبهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِ ِ ل اللَّهُ َفمَا َلهُ مِنْ هَادٍ
.[٢٣
ولقد بين الله جل وعلا أن تلاوة كتابه شفاء للصدور كما قال
وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ : سبحانه
جَنَّاتٍ تَجْ ِ ري مِنْ تَحْتِهَا اْلَأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا َأبَدًا َلهُمْ فِيهَا َأزْوَاجٌ
.[ النساء: ٥٧ ] مُ َ طهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا َ ظلِيلًا
فهو سكينة النفوس، وطمأنينة القلوب، وحياﺗﻬا وصفاؤها،
ولذلك فإن صاحب القرآن المولع بتلاوته وترتيله طيبُ النفس أبدًا
مثل المؤمن الذي يقرأ » : ... كما أخبر بذلك رسول الله
القرآن مثل الأترجة: ريحها طيب، وطعمها طيب، ومثل المؤمن
الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل
المنافق الذي يقرأ القرآن مثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر،
ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة لا ريح لها
رواه البخاري ومسلم]. ] « وطعمها مر
ومن أهم الأذكار التي تحيا ﺑﻬا القلوب، وتبتهج ﺑﻬا النفوس
أذكار الصباح والمساء، والأذكار الدافعة للهموم والأحزان،
والأذكار المؤقتة كأذكار النوم والخروج والدخول ونحوها، وهي
أقل ما ينبغي للمسلم الحفاظ عليه حتى يدوم نشاطه، وانشراح
٢٠ الطريق إلى الحياة
صدره.
وإذا مرضنا تداوينا بذكركم
ونترك الذكر أحيانا فننتكس
أخي الكريم: فاحرص على هذه الأذكار ... واعلم أنه ما من
شيء تصفو به النفوس وتطمئن به القلوب كذكر الله جل وعلا ...
الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ ِبذِكِْ ر اللَّهِ َأَلا ِبذِكِْ ر : قال تعالى
.[ الرعد: ٢٨ ] اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
قال السعدي رحمه الله: "ومن أكبر الأسباب لانشراح الصدر
وطمأنينته الإكثار من ذكر الله، فإن لذلك تأثيرا عجيبا في انشراح
الصدر وطمأنينته وزوال همه وغمه. فلذكر الله أثر عظيم في حصول
هذا المطلوب لخاصيته ولا يرجوه العبد من ثوابه وأجره".
* الخلق الحسن مع الناس:
الخلق الحسن مع النفس والناس هو من أهم بواعث الحياة في
النفوس، ومن أهم عوامل الطمأنينة والسكينة، فصاحب الخلق
الحسن يعيش خاليا من العداوات والأحقاد، وعاريا عن الشواغل
التي يوجبها سوء الخلق، من الغضب والقطيعة والهجران والشتائم
والبغض وما تفرزه هذه الخصال من الأنكاد.
وصاحب الخلق حيٌّ بطيب كلامه وسلامة صدره وعفت ه
وعدله، وعفوه وصفحه، وسخائه وكرمه وحيائه وصدقه، فهو أينما
حل مقبول وأينما كان منصور! يحبه الناس ويجلونه، ويقدرونه
ويحترمونه!
الطريق إلى الحياة ٢١
وهذا كله يولد في نفسه راحة لا يمكنه تحصيلها مهما فعل! إلا
بالخلق الحسن وحده!.
ولهذا ورد الحث كثيرا على الخلق الحسن في كتاب الله وس نة
خُذِ الْعَفْوَ وَْأمُرْ ِباْلعُرْفِ وََأعْ ِ رضْ عَ ِ ن : قال تعالى ، رسوله
.[ الأعراف: ١٩٩ ] الْجَاهِلِينَ
قال العلامة السعدي رحمه الله في حسن الخلق: "هو خلق
فاضل عظيم أساسه الصبر والحلم، والرغبة في مكارم الأخلاق،
وآثاره العفو والصفح عن المسيئين، وإيصال المنافع إلى الخلق
أجمعين، فهو احتمال الجنايات والعفو عن الزلات، ومقابلة السيئات
خُذِ : بالحسنات، وقد جمع الله ذلك في آية واحدة، وهي قوله
.[ الأعراف: ١٩٩ ] الْعَفْوَ وَْأمُرْ ِباْلعُرْفِ وََأعْ ِ رضْ عَ ِ ن الْجَاهِلِينَ
إن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة ال صائم » : وقال
رواه أبو داود]. ] « القائم
أكمل الناس حياة لما كان عليه من ولقد كان رسول الله
وَِإنَّكَ : الأخلاق الحميدة الفاضلة، إذ شهد له ربه بذلك فقال
.[ القلم: ٤ ] َلعَلى خُلُ ٍ ق عَظِي ٍ م
ليس الجمال بمئزر
فاعلم إذا رديت برد ا
إن الجمال معادن
ومناقب أورثن مجد ا
وحسن الخلق كما عرفه ابن تيمية هو: أن تصل من قطعك
٢٢ الطريق إلى الحياة
بالسلام والإكرام، والدعاء له، والاستغفار، والثناء عليه، والزيارة
له.
وتعطي من حرمك من التعليم والمنفعة والمال.
وتعفو عمن ظلمك في دم، أو مال، أو عرض.
.[٦٥٨/ وبعض هذا واجب، وبعضه مستحب" [الفتاوى ١٠
* القناعة:
ومما يعكر صفو الحياة، ويهدم صرح صفائها: الحرص المذموم!
ولو تحلى المسلم بالقناعة لبعثت الحياة في نفسه، ولاتعست عليه
الدنيا بعد الضيق ولانفرج همه وكشف غمه!
قال ابن الجوزي رحمه الله: "من قنع طاب عيشه، ومن طمع
طال طيشه".
يدل أمته على الحياة في رحاب القناعة وهذا رسول الله
طوبى لمن هدي إلى الإسلام، وكان عيشه كفافا، » : والغنى فيقول
رواه الترمذي وقال: حسن صحيح]. ] « وقنع
قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنَّعه الله » : أيضا ويقول
رواه مسلم]. ] « بما آتاه
فالقناعة خلق نفساني يقطع دابر التطلع المذموم، ويحث صاحبه
على التحلي بالرضى بما قسمه الله جل وعلا من رزق في الحياة
الدنيا دونما انزعاج ولا تسخط على المقدور.
الطريق إلى الحياة ٢٣
قال ابن مسعود رضي الله عنه: "اليقين ألا ترضي الناس بسخط
الله، ولا تحسد أحدا على رزق الله، ولا تلم أحدا على ما لم يؤتك
الله، فإن الرزق لا يسوقه حرص حريص، ولا يرده كراهية كاره .
فإن الله تبارك وتعالى بقسطه وعلمه وحكمته جعل الروح والفرح
في اليقين والرضا. وجعل الهم والحزن في الشك والسخط".
وليست القناعة هي التواكل وقطع أسباب الرزق، وإنما هي
بذل الأسباب المشروعة دونما حرص أو تفريط في الواجبات
والفرائض، ثم الرضى بما قسمه الله جل وعلا.
لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم » : فقد قال
.« كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا
وفي القناعة مع الإيمان والصحة والعافية، حياة هنيئة طيبة، كما
من أصبح معافى في جسده. آمنا » : فقال أخبر بذلك رسول الله
رواه ] « في سربه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا
البخاري ومسلم].
* الحفاظ على الصحة:
أخي الكريم: إن من أهم عوامل الحياة الطيبة الهنية : الصحة
والعافية.
سلوا الله اليقين والعافية، فما » : ولذلك قال رسول الله
رواه أحمد]. ] « أوتي أحد بعد اليقين خيرًا من العافية
بين عافيتي الدنيا والدين، قال ابن القيم رحمه الله: "فجمع
٢٤ الطريق إلى الحياة
ولا يتم صلاح العبد في الدارين إلا باليقين والعافية، فاليقين يدفع
عنه عقاب الآخرة، والعافية تدفع عنه أمراض الدنيا في قلبه وبدنه".
فاليقين هو ثمرة العقيدة الصحيحة والعمل الصالح، والعافية هي
ثمرة الحفاظ على الصحة النفسية والعضوية، وهي أمانة يغبن فيها
كثير من الناس ...
نعمتان مغبون فيها » : فقال كما أخبر بذلك رسول الله
رواه البخاري]. ] « كثير من الناس: الصحة والفراغ
أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن » : وقال
رواه الحاكم وصححه ووافقه ] «؟ يقال: ألم نُصح لك جسمك
الذهبي].
ُثمَّ َلتُسَْأُلنَّ يَوْمَئِذٍ عَ ِ ن : قال أحد السلف في قوله تعالى
قال: عن الصحة. النَّعِي ِ م
إذا، فالصحة أساس لكمال الحياة ... وباضمحلالها تضمحل
الحياة ... ومن هنا ينبغي لمن تطلع إلى الحياة الهنية أن ينهج النهج
السوي في الحفاظ على صحته كما أشار الله جل وعلا إلى ذلك
.[ الأعراف: ٣١ ] وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وََلا تُسْ ِ رفُوا : بقوله
قال ابن القيم رحمه الله: "فأرشدهم إلى إدخال ما يقيم البدن
من الطعام والشراب عوضا عما تحلل منه: وأن يكون بقدر ما ينتفع
به البدن في الكمية والكيفية. فمتى جاوز ذلك كان إسرافا وكلاهما
مانع من الصحة جالب للمرض. أعني عدم الأكل والشرب، أو
الإسراف فيهما، فحفظ الصحة كلها في هاتين الكلمتين الإلهيتين...
الطريق إلى الحياة ٢٥
ولما كانت الصحة والعافية من أجل نعم الله على عبده وأجزل
عطاياه وأوفر منحه، بل العافية المطلقة من أجل النعم على الإطلاق،
فحقيق بمن رزق حظا من التوفيق مراعاﺗﻬا وحفظها وحمايتها مما
يضادها" [زاد المعاد].
ومن أهم القواعد للحفاظ على الصحة:
- الاعتدال في الأكل والشرب، واجتناب الإسراف فيهما فما
ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه.
- الحرص على نظافة الطعام ونضجه.
- الحرص على تنويع الطعام فلا يسرف الإنسان في أكل نوع
دون آخر، كاللحم مثلا دون الفواكه أو الخضروات.
- الحرص على الثقافة الصحية، وعلى وجه التحديد فقه سنة
أكمل ما ترك خيرا إلا دل أمته عليه، وكان رسول الله
الناس صحة وحياة!
- الحرص على الأكل الطازج، دون المعلبات المصنعة
والمحفوظة بالمواد المصنعة فإﻧﻬا مضرة في الغالب.
- الحرص على نظافة الملبس والمسكن.
- الحرص على الطيب قدر المستطاع فهو دافع للروائح الخبيثة
المضرة بالجسد ومنفر للشياطين.
- الحرص على تمرين الجسد بالرياضة والحركة دون تفريط أو
وقوع في مخالفات شرعية.
٢٦ الطريق إلى الحياة
- الحرص على التداوي: فكما أن التوبة هي شفاء الأمراض
القلبية، فإن التداوي المشروع هو شفاء الأمراض البدنية، وبالشفاء
تكتمل طيبوبة الحياة.
* * *