المفتى به عند الحنفية: أنه يكفي مسح أكثر الجبيرة مرة، فلا يشترط استيعاب وتكرار ونية اتفاقاً، كما لا تطلب النية في مسح الخف والرأس أو العمامة.
والواجب عند الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة): مسح الجبيرة كلها بالماء، استعمالاً للماء ما أمكن، ولأن مسحها بدل عن غسل ما تحتها، وما تحت الجبيرة كان يجب استيعابه بالغسل، فكذا المسح، ولا ضرر في تعميمها بالمسح، بخلاف الخف يشق تعميم جميعه، ويتلفه المسح.
وأوضح المالكية والحنفية أن الواجب الأصلي هو غسل أو مسح المحل المجروح مباشرة إن أمكن بلا ضرر، فإن لم يستطع المسح عليه، مسح جبيرة الجرح: وهي اللزقة التي فيها الدواء الذي يوضع على الجرح ونحوه، أو على العين الرمداء، فإن لم يقدر على مسح الجبيرة أو تعذر حلها، مسحت عصابته التي تربط فوق الجبيرة، ولو تعددت العصائب، فإنه يمسح عليها. ولا يجزيه المسح على ما فوق العصائب إن أمكنه المسح على ما تحتها أو مسح أسفلها.
ولا يقدر المسح بمدة، بل له الاستدامة إلى الشفاء (الاندمال)، لأنه لم يرد فيه تأقيت، ولأن الساتر لا ينزع للجنابة، بخلاف الخف، ولأن مسحها للضرورة، فيقدر بقدرها، والضرورة قائمة إلى حلِّها أو برء الجرح عند الجمهور، وإلى البرء عند الحنفية.
ويمسح الجنب ونحوه متى شاء. ويمسح المحدث عند الشافعية والحنابلة وقت غسل الجزء العليل، عملاً بمبدأ الترتيب المطلوب عندهم، وله تقديم التيمم على المسح والغسل وهو أولى.
ويجب مسح الساتر، ولو كان به دم، لأنه يعفى عن ماء الطهارة، ومسحه بدل عما أخذه من الجزء الصحيح. فلو لم يأخذ الساتر شيئاً، أو أخذ شيئاً وغسله، لم يجب مسحه على المعتمد عند الشافعية.
وذكر الشافعية: أنه لو برأ وهو على طهارة، بطل تيممه لزوال علته، ووجب غسل موضع العذر، جنباً كان أو محدثاً.
هل يجمع بين المسح على الجبيرة والتيمم؟
يرى الحنفية والمالكية: الاكتفاء بالمسح على الجبيرة، فهو بدل لغسل ما تحتها، ولا يضم إليه التيمم، إذ لا يجمع بين طهارتين.
ويرى الشافعية: أنه يجمع بين المسح على الجبيرة والتيمم، فيغسل الجزء الصحيح، ويمسح على الجبيرة، ويتيمم وجوباً، لما روى أبو داود والدارقطني بإسناد كل رجاله ثقات عن جابر في المشجوج الذي احتلم واغتسل، فدخل الماء شجته، فمات: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنما كان يكفيه أن يتيمم، ويعصب على رأسه خرقة، ثم يمسح عليها، ويغسل سائر جسده".
ولو كان في بدنه جبائر كثيرة وأجنب وأراد الغسل، كفاه تيمم واحد عن الجميع، لأن بدنه كعضو واحد. وفي حالة الحدث الأصغر (الوضوء) يتعدد التيمم بعدد الأعضاء المريضة على الأصح، كما يتعدد مسح الجبيرة بتعددها. وعليه : إن كانت الجراحة في أعضاء الوضوء الأربعة ولم تعمها فلا بد من ثلاثة تيممات: الأول للوجه، والثاني لليدين، والثالث للرجلين، أما الرأس فيكفي فيه مسح ما قل منه فإن عمت الجراحة الرأس فأربعة تيممات. وإن عمت الأعضاء كلها فتيمم واحد عن الجميع لسقوط الترتيب بسقوط الغسل.
وتوسط الحنابلة فرأوا أنه يجزئ المسح على الجبيرة، من غير تيمم، إذا لم تجاوز الجبيرة قد الحاجة.
ويمسح ويتيمم إن تجاوزت الجبيرة محل الحاجة، أو خيف الضرر من نزعها، ويكون التيمم للزائد على قدر الحاجة، والمسح لم يحاذ محل الحاجة، والغسل لِمَ سوى ذلك، فيجمع إذن بين الغسل والمسح والتيمم. وإذا لم يكن على الجرح عصاب، يغسل الصحيح ويتيمم للجرح.
هل تجب إعادة الصلاة بعد البرء؟
الذين لم يشترطوا وضع الجبيرة على طهارة وهم المالكية والحنفية، ورأيهم هو الحق، لم يوجبوا إعادة الصلاة بعد الصحة من الجرح، لإجماع العلماء على جواز الصلاة، وإذا جازت الصلاة، لم تجب إعادتها.
أما الذين اشترطوا وضع الجبيرة على طهارة وهم الشافعية والحنابلة، فقد أوجبوا إعادة الصلاة، لفوات شرط الوضع على طهارة.
وتعاد الصلاة عند الشافعية في الأحوال الثلاثة التالية:
1- إذا كانت الجبيرة في أعضاء التيمم (الوجه واليدين) مطلقاً، سواء على طهر أو حدث.
2- إذا وضعت الجبيرة على غير طهر (حدث) سواء في أعضاء التيمم أو في غيرها.
3- إذا زادت الجبيرة على قدر الحاجة أو الاستمساك مطلقاً، سواء على طهر أو حدث.
ولا تعاد الصلاة عندهم في حالتين وهما:
1- إذا كانت في غير أعضاء التيمم، ولم تأخذ من الصحيح شيئاً، ولو على حدث.
2- إذا كانت في غير أعضاء التيمم، ووضعها على طهر، ولو زادت على قدر الحاجة.
نواقض المسح على الجبيرة:
يبطل المسح على الجبيرة في حالتين هما:
1- نزعها وسقوطها: قال الحنفية: يبطل المسح على الجبيرة إن سقطت عن برء، لزوال العذر، وإن كان في الصلاة، استأنف الصلاة بعد الوضوء الكامل، لأنه قدر على الأصل قبل حصول المقصود بالبدل.
وإن سقطت عن غير برء لم يبطل المسح، لأن العذر قائم، والمسح عليها كالغَسْل لِما تحتها ما دام العذر قائماً: أي أن بطلان المسح على الجبيرة في الحقيقة يكون بالبرء ويجوز تبديلها بغيرها ولا يجب إعادة المسح عليها، والأفضل إعادته.
وإذا رمد، وأَمَره طبيب مسلم حاذق ألا يغسل عينه، أو انكسر ظفره، أو حصل به داء، وجعل عليه دواء، جاز له المسح للضرورة، وإن ضره المسح تركه، لأن الضرورة تقدر بقدرها.
وقال المالكية: يبطل المسح بنزع الجبيرة أو سقوطها للمداواة أو غيرها، فإذا صح غسل الموضع على الفور، وإن لم يصح وبدَّلها للمداواة، أعاد المسح، وإن سقطت الجبيرة وهو في الصلاة، بطلت الصلاة، وأعاد الجبيرة في محلها، وأعاد المسح عليها، إن لم يطل الفاصل، ثم ابتدأ صلاته، لأن طهارة الموضع قد انتقضت بظهوره.
ويمسح المتوضئ رأسه إن سقط الساتر، الذي كان قد مسح عليه من الجبيرة أو العصابة أو العمامة، ثم صلى إن طال فاصل سقوط الساتر نسياناً، وإلا ابتدأ طهارة جديدة أي أعاد الوضوء.
وقال الشافعية: لو سقطت جبيرته في الصلاة، بطلت صلاته، سواء أكان قد برئ، أم لا، كانقلاع الخف. وفي حالة البرء تبطل الطهارة أيضاً، فإن لم يبرأ رد الجبيرة إلى موضعها ومسح عليها فقط.
وقال الحنابلة: زوال الجبيرة كالبرء، ولو قبل برء الكسر أو الجرح وبرؤها كخلع الخف، يبطل المسح والطهارة والصلاة كلها، وتستأنف من جديد، لأن مسحها بدل عن غسل ما تحتها، إلا أنه في الطهارة الكبرى من الجنابة يكفي بزوال الجبيرة غسل ما تحتها فقط. وفي الطهارة الصغرى (الوضوء) إن كان سقوطها عن برء توضأ فقط، وإن كان سقوطها عن غير برء، أعاد الوضوء والتيمم.
وهكذا يتبين أن الجمهور غير الحنفية يقررون بطلان المسح على الجبيرة بنزعها أو سقوطها.
2- الحدث: يبطل المسح على الجبيرة بالاتفاق بالحدث. لكن إذا أحدث صاحب الجبيرة يعيد عند الشافعية ثلاثة أمور: يغسل الصحيح، ويمسح على الجبيرة، ويتيمم. فإن لم يحدث وأراد صلاة فرض آخر، تيمم فقط، ولم يعد غسلاً ولا مسحاً، لأن الواجب عندهم إعادة التيمم لكل فريضة.
أهم الفروق بين المسح على الخفين والمسح على الجبيرة:
ذكر الحنفية فروقاً بين هذين النوعين من المسح، أهمها ما يأتي:
1- المسح على الجبائر غير مؤقت بالأيام، بل هو موقت بالبرء، أما المسح على الخفين فهو بالشرع موقت بالأيام، للمقيم يوم وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها.
2- لا تشترط الطهارة لوضع الجبائر، فيجوز المسح عليها للمحدث. وتشترط الطهارة للبس الخفين، فلا يجوز المسح عليهما للمحدث.
3- إذا سقطت الجبائر لا عن برء لا ينتقض المسح، وسقوط الخفين أو أحدهما يوجب انتقاض المسح.
4- المسح على الجبائر جائز إذا كان يضره المسح على الجراحة، فإن لم يضره فلا يمسح على الجبائر. أما المسح على الخفين فهو جائز ولو لم يعجز عن غسل الرجلين.
5- المسح على الجبائر جائز ولو كانت في غير الرجلين. أما المسح على الخفين فمحصور في الرجلين.
وذكر الحنابلة خمسة فروق بين نوعي المسح المذكورين، وافقوا الحنفية في الفرق الأول والثاني والرابع، أما الفرقان الآخران فهما: أنه يمسح على الجبيرة في الطهارة الكبرى، لأن الضرر يلحق بنزعها فيها، بخلاف الخف، ويجب عندهم استيعابها بالمسح لأنه لا ضرر في تعميمها، بخلاف الخف فإنه يشق تعميم جميعه ويتلفه المسح.